اراء وكتاب

خط السير لليمن والجنوب

كتب / د.نصر هرهرة

استغرق العمل لمعالجة القضايا الممهدة للحلول النهائية للمنطقة وقتاً أطول على الرغم من أهمية تلك القضايا باعتبارها الأساس الذي سيبني عليه كل شيء. فلهذا لا بد من الارتقاء في تفكيرنا، والنظر إلى الأمام للحلول النهائية.

إن خط السير لليمن والجنوب في تصورنا، أو (الوصفة التي سيتم السير فيها) يتمثل في: وقف إطلاق النار – العملية السياسية التفاوضية برعاية الأمم المتحدة – تشكيل حكومة يمنية انتقالية – الاستفتاء على الدستور – انتخابات تشريعية ورئاسية وتشكيل حكومة منتخبة، ولا أظن أن خط السير الذي سيتحقق على أرض الواقع ينحرف كثيراً عن هذا الخط الافتراضي، لكن السؤال الكبير والمهم بالنسبة لنا كجنوبيين: إلى أي محطة نظل في العربة اليمنية؟

وللإجابة على هذا السؤال الهام والمصيري هناك عدة سيناريوهات تختلف فيها محطة الخلاص الجنوبي من المقطورة اليمنية، لكن مبدئياً على الأقل بالنسبة للسيناريوهات الآتية:

السيناريو الأول، وهو الأكثر احتمالاً، أن محطة الخلاص هو العملية السياسية، وهناك أيضاً عدة احتمالات منها أن يستطيع الجنوبيون من خلال العملية السياسية تحقيق تطلعاتهم وتوقيع اتفاقية الاستقلال مع الجانب اليمني أو على الأقل مواصلة المضي إلى الأمام في العربة اليمنية في إطار دولة فيدرالية من إقليمين لفترة محددة يليها حق تقرير المصير لشعب الجنوبي، وفي هذا المسار توجد عدة احتمالات لمحطة الخلاص من المقطورة اليمنية.

الاحتمال الأول أن يتفق في العملية السياسية أن مصير الجنوبيين سيتحدد من خلال استفتاء مرافق للاستفتاء على الدستور، أو أن يضع نصاً في الدستور أن من حق الجنوبيين تحقيق مصيرهم في وقت يحدد فيه نص الاتفاق، وهذا يعني أن يستمر الجنوبيون في المرور بكل محطات سير المقطورة اليمنية مرحلة العملية السياسية ومرحلة الدستور، ثم الانتخابات وصولاً إلى تشكيل حكومة لدولة اتحادية من إقليمين، ثم حق تقرير المصير وفيه احتمالان إما الاستمرار في المقطورة اليمنية أو تحقيق خيار الدولة الجنوبية المستقلة كاملة السيادة.

الاحتمال الثاني: أن يحاول الطرف اليمني إعاقة الجنوبيين من تحقيق تطلعاتهم واستمرار سياسة الضم والإلحاق (الاحتلال) الذي وقع على الجنوب في حرب 94م من خلال الإصرار على المضي وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار في دولة اتحادية من عدة أقاليم مع إجراء تعديلات طفيفة تقنع الحوثيين في حدود ومساحة إقليم صنعاء، وهنا قد ينسحب الجنوبيون من هذه العملية.

وهذا احتمال ضعيف ستكون له تداعياته الخطيرة على المنطقة والإقليم والملاحة الدولية وعدم استقرار المنطقة، وهذا يعني استمرار الحرب.
والسؤال المهم الآخر هو ما الذي يرجح أي سيناريو وأي احتمال؟، وهذا ما ينبغي أن يدركه الجنوبيون ويعملوا على تقوية نقاط القوة التي اكتسبوها، وتقليص نقاط الضعف حتى يدخلوا إلى العملية السياسية وهم أقوياء وقادرون على انتزاع تطلعاتهم ولديهم بدائل أخرى واضحة في حال خذلانهم أو التآمر عليهم.

إن ارتفاع الوعي الجنوبي المجتمعي بالقضية الجنوبية والإرادة الجنوبية الصلبة على خيار الدولة الجنوبية المستقلة وانتصارهم في حرب غزوة 2015م وتحرير أرضهم وتحفظهم على هذا النصر قد أكسبهم قدرة وقوة، ورفع معنوياتهم في تحقيق تطلعاتهم ووجود القيادة السياسة المفوضة من أغلب شعب الجنوب كحامل لقضيته العادلة في استعادة سيادته وبناء دولته المستقلة كاملة السيادة على حدود ما قبل 22 مايو 90م، والاعتراف به من خلال اتفاق الرياض بمشاركته في العملية السياسية القادمة.

ومن نقاط القوة أن الجنوبيين قد تمكنوا من نقل قضيتهم إلى الدوائر السياسية المحلية والإقليمية والدولية، وأصبحت لهم علاقاتهم وأصدقاؤهم.
وهناك نقاط قوة أخرى لا يتسع المجال لذكرها، لكن في المقابل لا زالت أمامهم قضايا مهمة ينبغي تحقيقها حتى لا تظل وسيلة بيد خصومهم في إعاقتهم من تحقيق تطلعاتهم من خلال تعزيز التصالح والتسامح وإنجاز حوار جنوبي وتعزيز الشراكة الوطنية.

وكل ذلك يفضي إلى تعزيز اللحمة الجنوبية والهدف الجنوبي الواحد في خيار الدولة الجنوبية المستقلة كاملة السيادة، كما ينبغي الحرص عند تنفيذ اتفاق الرياض لتحقيق نقل القوات الجاثمة على صدور شعبنا في المدن الجنوبية في سيئون وشبوة والمهرة وشرق أبين إلى جبهات القتال مع الحوثي، وبسط سيطرة الأحزمة والنخب وقوات الأمن الجنوبية على أراضي الجنوبي، وتحقيق الأمن والاستقرار وتأمين الملاحة الدولية وفق الاتفاق.

واستعادة مؤسسات الدولة في الجنوب بهدف تطوير وتحسين الخدمات وليس إعادة الضم والإلحاق وتهميش الجنوب وقضيته العادلة مع توحيد القدرات وتنظيمها خلال مرحلة حكومة المناصفة التي أنتجها اتفاق الرياض، وعدم السماح بتقويض النصر الجنوبي، والعمل على تطويره وتعظيمه، وتعزيز العلاقة مع دول التحالف العربي.
والمطلوب من الجنوبيين اليوم التفكير في العمل لمنع حصول هذا السيناريو. وهذا الاحتمال أو ذاك السيناريو وذاك الاحتمال إذا حصل كيف يمكن مواجهته.

إلى الأعلى