نداء حضرموت – متابعات
نشرت مجلة ياكوبين اليسارية الأمريكية الشهيرة تقريراً مطولاً عن الوحدة اليمنية وخلفياتها التاريخية حتى اليوم. أشادت فيه بالإنجازات الاجتماعية والاقتصادية لدولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ووصفت المرحلة التي أعقبت الوحدة بين البلدين الشمالي والجنوبي بـ “الفجر الكاذب”.
وقال التقرير الذي كتبته الخبيرة في الشؤون اليمنية هيلين لاكنر، بعنوان “الوحدة اليمنية تحوّلت إلى صور”، “منذ ثلاثين عامًا، اتحدت اليمن كدولة واحدة في جو من التفاؤل بشأن المستقبل. لكن هذه الآمال خابت بشكلٍ فادح، وذلك بفضل السجل المدمّر والمنفعة الذاتية والتنافس بين النخب السياسية اليمنية.”
وقالت المجلة الأمريكية في التقرير الذي ترجم أجزاء منه سوث24: “نحن الآن في السنة السادسة من حرب أهلية دولية تدمّر اليمن وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم. يبدو من الصعب أن نتذكر أنه في 22 مايو قبل ثلاثين عامًا، كان اليمنيون في جميع أنحاء البلاد مبتهجين ومتحمسين لاحتمال العيش في دولة واحدة موحدة.”
وتضيف المجلة البارزة “في ذلك اليوم، شكلتا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية [الجمهورية اليمنية]. كانت الرغبة الشعبية لـ “الوحدة اليمنية” في الدولتين واحدة من عدد من الحوافز التي أقنعت القادة في صنعاء وعدن بالتوصل إلى اتفاق.”
إعادة النظر
يشير التقرير الذي نشر بالتزامن بعد مرور ثلاثين سنة على إعلان وحدة يمنية بين الشمال الجنوب، فشلت لاحقا، بأنّ “غالبية اليمنيين الذين هم على قيد الحياة اليوم، ولدوا في الفترة التي تلت الوحدة”، لذا ترى كاتبة التقرير لاكنر أن “أن إعادة النظر في هذه اللحظة من تاريخ البلاد قد تساعد في البحث عن حلول قد تقود البلاد للخروج من ضغوطها اليائسة الحالية”.
وتقول مجلة ياكوبين أن التشكيك في الوحدة يلاحظ ليس في أراضي الجمهورية العربية اليمنية، ولكن في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة، حيث يدعو الكثيرون إلى عودة الدولة على حدودها السابقة، على الرغم من أن القليل منهم اشتراكيون، وقليل منهم لا يزال لديهم فهم واضح للنظام الاشتراكي الموجود في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وتضيف المجلة “إن الانتقال إلى ما وراء التفسير النمطي للتاريخ والتحيزات المرتبطة به هي الخطوة الأولى نحو مستقبل أفضل.”
مستوى معيشة عالي
التقرير عاد بالأحداث إلى ما قبل الوحدة، مشيرا أنه بعد عامين من إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، اتخذ نظام جبهة التحرير الوطني منعطفًا حادًا إلى اليسار، وأعاد في عام 1970 تسمية البلاد باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وتضيف المجلة بأنه على الرغم من الصعوبات الداخلية والخارجية العديدة التي واجهها اليمن الجنوبي الذي استمر 23 عاما، “فإن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أعطت سكانها مستويات معيشية عالية نسبيًا.”
وأشارت المجلة أن النظام الاشتراكي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واجه في البداية وضعا اقتصاديا بالغ الصعوبة. فقد كانت تمتلك الدولة الجديدة موارد زراعية محدودة، على الرغم من أن مصائد الأسماك كانت تشكل إمدادا بالفعل، وكان عليها أن تصارع.
وأرجع التقرير الأمريكي أحد أسباب الصعوبات الاقتصادية التي واجهها اليمن الجنوبي هو “إغلاق قناة السويس نتيجة حرب 1967 والذي أدى إلى تقليص نشاط ميناء عدن بشكل شبه كامل، واختفت القاعدة البريطانية مع قطاع الخدمات المرتبط بها. فضلا عن رحيل الطبقة الرأسمالية الصغيرة بعد تأميم معظم النشاط الاقتصادي الحضري والصناعي.”
وقال التقرير أن الدولة الجنوبية استفادت من نماذج سياسات دول أوروبا الشرقية مع التركيز على صناعات القطاع العام ومزارع الدولة، التي تم إنشاؤها على أراضي جديدة. فقد كان معظم قطاع الزراعة ومصايد الأسماك تحت ما سُمّيت بـ “الإدارة التعاونية”.
وقال التقرير أنه ومع مرور الوقت أدار حكام اليمن الجنوبي هذه السياسات حتى أصبحت التعاونيات تشبه تلك الموجودة في الغرب.. كما شجعت دولة اليمن الجنوبي القطاع الخاص في الصناعة والخدمات، وحققت نجاحا محدودا.”
الإنجازات الاجتماعية
بسبب الخلاف مع بعض دول الجوار، تُشير المجلة الأمريكية أن “الكويت فقط هي التي قدمت المساعدة الاقتصادية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. كانت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى معادية بقوة في السنوات الأولى، على الرغم من أن الوضع بدأ يتحسن في الثمانينيات، عندما أقام جنوب اليمن علاقات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية في عام 1986”.
ويقول التقرير المطول أنه “وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي كان يواجهها، نجح النظام الاشتراكي في تنفيذ السياسات الاجتماعية التي يتم تذكرها اليوم مع بعض الحنين إلى الماضي، في الوقت الذي لا توجد فيه اليوم أي خدمات فعلية مقدمة من الدولة”.
ويشير التقرير أن “النظام في الجنوب طوّر بنية تحتية طبية قوية، بشرية ومادية على حد سواء، والتي تضمنت في نهاية المطاف مدارس طبية ومراكز صحية في المناطق الريفية النائية، على الرغم من انخفاض الكثافة السكانية للبلاد.”
وبحسب المجلة الأمريكية اليسارية “أنشأت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية نظاماً تعليمياً شاملاً شجع الطالبات. وكانت سياساتها تجاه المرأة استثنائية في العالم العربي، مع قانون الأسرة التقدمي (1974) الذي كان متقدمًا مثل قانون تونس.
كما كافح النظام أيضًا للقضاء على القبلية – وهي السياسات التي شاركها مع عدد من الأنظمة الحداثية، الاشتراكية أو غيرها.
صراعات الأشقاء
تقول المجلة الأمريكية “بالرغم من هذه السياسات الاجتماعية والاقتصادية المثيرة للإعجاب، والتي أدت إلى تحسين حياة سكان البلاد البالغ عددهم مليوني نسمة، فقد اتسمت سياسات النظام بسلسلة من الصراعات الداخلية التي انفجرت إلى صراع قاتل في عام 1969، 1978، والأهم من ذلك في 1986. في حين كانت الحلقتان الأوليتان تتعلقان باختلافات خطرة في السياسة، لم تكن الأخيرة في الواقع سوى صراع على السلطة.”
تقول المجلة أنه وخلال السبعينيات، كان سالمين الشخصية المهيمنة في قيادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. كان ملفه الشخصي أكثر شعبية. شملت الأحداث الرئيسية خلال هذه الفترة عام 1972 “سبعة أيام”، عندما خرجت الجماهير للتظاهر في عدن، وهم ينادون إلى تخفيض الرواتب – في وقت لم يكن لدى الدولة موارد – وتنفيذ الإصلاح الزراعي من خلال الانتفاضات المحلية.”
ويضيف التقرير “في عام 1978 أطيح بسالمين وتم إعدامه، ليخلفه عبد الفتاح إسماعيل، الشخصية “الشيوعية” الأكثر تقليدية بين قادة البلاد، الذي كان متماشيا بشكل وثيق مع النهج السوفياتي لبناء الاشتراكية. وأسس النظام الحزب الاشتراكي اليمني تحت رعايته عام 1978. وفي غضون عامين، غادر إلى موسكو لأسباب صحية.. وأدت عودته وغيره من المنفيين في عام 1985 إلى “أحداث” 13 يناير 1986، والتي أثبتت أنها الأكثر دموية من هذه الصراعات الداخلية. أدى هذا الاشتباك إلى نفي علي ناصر وأتباعه، الذين انتقلوا إلى صنعاء وأصبحوا من أنصار صالح. “
تقول المجلة أنه وعلاوة على هذه الأحداث، فقد أدت التغييرات في الاتحاد السوفييتي تحت قيادة جورباتشوف في منتصف الثمانينيات إلى انخفاض كبير في الدعم من أوروبا الشرقية.. قاد في الأخير لإعلان الوحدة اليمنية.
الفجر الكاذب
وتذكر مجلة الياكوبين أن “الآمال الاقتصادية المرتبطة بالوحدة تحطمت على الفور بسبب تداعيات موقف اليمن من الغزو العراقي للكويت، وما تلاه “أرسلت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى ما يقرب من مليون مهاجر يمني إلى ديارهم، كما تم قطع تدفق المساعدات الدولية”، وقد “أدى انخفاض مستويات المعيشة إلى اضطرابات واسعة النطاق، بما في ذلك أعمال شغب ضد ارتفاع الأسعار في ديسمبر 1992 والتي تسببت في سقوط 13 قتيل على الأقل.”
ويُسهب التقرير في الإشارة إلى أن التوترات السياسية بين قيادتي صنعاء وعدن ظهرت منذ البداية تقريبًا، مع سلسلة من الاغتيالات التي طالت أكثر من 150 من قادة ومؤيدي الحزب الاشتراكي اليمني بين عامي 1990 و1993. ثم بعد ذلك “نشبت حرب أهلية قصيرة في عام 1994، مما أدى إلى انتصار حاسم لقوات صالح بمساعدة من فصيل في الحزب الاشتراكي، الذي هزم في أحداث 1986، ومن الجهاديين الذين قاتلوا في أفغانستان.
تقول المجلة الأمريكية أن “التمييز ضد الجنوبيين استمر بعد أن أحالت السلطات بالقوة حوالي 86000 من العسكريين والأمنيين بعد الحرب الأهلية عام 1994 إلى التقاعد.”
وقد “شكل هؤلاء المتقاعدون رابطة المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين في أواخر عام 2006 للمطالبة بتحسينات في وضعهم. لكن رد نظام صالح كان بالعنف على تظاهراتهم السلمية في البداية، والتي أدت.. إلى ظهور حركة انفصالية أقوى تدعو إلى العودة إلى حدود ما قبل التوحيد.”
فشل النخب السياسية
وتختم الخبيرة هيلين لاكنر، مؤلفة كتاب “اليمن في أزمة: الاستبداد والليبرالية الجديدة وتفكك الدولة”، بأن “هذا الفشل في تعزيز تنمية البلاد، سواء في الفترة التي أعقبت التوحيد مباشرة ومرة أخرى بعد انتفاضة عام 2011، لم يكن بسبب نقص الإرادة الشعبية. يمكننا أن نلوم بدلاً من ذلك قدرة النخب السياسية التي تخدم مصالحها الذاتية على منع ظهور قوى جديدة وطرق جديدة لحكم اليمن.”
وتضيف بأن “المنافسة بين هذه النخب أدّت إلى أطول نزاع مسلح عرفته البلاد على الإطلاق، تاركة شعبها يعاني على أيدي ثلاثة من فرسان نهاية العالم الأربعة: الحرب والمجاعة والوباء.”
تقول لاكنر أن “أن الحرب الحالية أدّت إلى تفتيت البلد بأكمله، مما أدى إلى إثارة الانقسامات الاجتماعية والسياسية التي سيكون من الصعب جدًا – وربما المستحيل – إصلاحها.”
واتهمت كاتبة التقرير ضمنيا التحالف العربي بالتخلي عن حاجيات السكان، تقول “لم يكن التدخل الخارجي في اليمن طوال هذه الفترة معنيًا بحاجة السكان إلى مستويات معيشية وحكم أفضل. بدلاً من ذلك، أُعطيت الأولوية لمصالح القوى الأجنبية نفسها.”
وتختتم المجلة الأمريكية تقريرها بالقول “في هذه الذكرى، هناك حاجة ملحة لتعلم دروس العقود الأخيرة، حتى يتمكن اليمنيون من التوحد في النضال من أجل مستقبل أكثر سلامًا وإنصافًا.”