اراء وكتاب

ما وراء مشاورات الرياض اليمنية اليمنية

صابر بن مقنع
16/ابريل/2022م
في مقال سابق كتبته بعنوان مشاورات الرياض والعقد السياسي المنتظر, حاولت من خلاله طرح بعض الافكار التي تشكل خطراً على قضية شعب الجنوب الحر، ولكون المجلس الانتقالي الجنوبي يعتبر في المرحلة الحالية معبراً عن القضية محاولاً ابرازها في المحافل الاقليمية والدولية بكل ما اوتي من قوة. ورغم ذلك الجهد التي تبدله قيادة المجلس الانتقالي الا انني اختلف معهم لا من حيث المشاركة في مشاورات الرياض بل من حيث التوجه نحو المشاركة بوفد من الصف القيادي الرفيع في هذه المشاورات، والمخالفة ليست الا تعبير عن تلك التخوفات التي احاول استشرافها لمآلات ما بعد المشاورات.
وكما اشرت في مقالي السابق فأن الحاجة لتخوفاتي التي طرحتها قد ظهرت جليا في قرار الرئيس منصور هادي والخاص بتشكيل مجلس رئاسي تنقل صلاحياته كاملة ومعمدة بوثائق المبادرة الخليجية والمرجعيات الثلاث التي تحافظ على وحدة اليمن السياسية. هذا اولاً:
اما ثانياً: فان دعوة المملكة لمشاورات يمنية يمنية ما هو الا أعلاناً عن فشلها في ادارة الحرب وكدا اهم الملفات خطورة وهو الملف الاقتصادي الذي لامس حياة المواطن واثر على حياته المعيشية سلباً، وان هذا الملف شكل موقفاً حرجاً للشقيقة السعودية خاصة في المحافظات المحررة.
وخوفاً من ان تتداعى القوي التحررية والوطنية في جنوب البلاد لمواجهة استحقاقات ملزمة بها المملكة وهي كثيرة، كون اليمن تحت اشرافها وفق البند السابع، لهذا سارعت المملكة لدعوة اليمنيين بكل اطيافهم لمشاورات نتائجها معدة مسبقاً والهدف منها التهرب من استحقاقات اعمار ما دمرته الحرب، والاهم نفي العقد السياسي الذي بدأ يتشكل ما بعد نتائج الحرب. وبالطبع فأن هذا العقد السياسي لصالح الجنوب ممثل عنه المجلس الانتقالي الجنوبي.
لهذا ومن خلال الدعوة للمشاورات اورد بعضاً من قراءتي الاولية لما تمخض عن قرار منصور هادي بشأن نقل صلاحياته عبر تشكيل مجلس رئاسي مبتدئاً حديثه على النحو الآتي:

  1. استناداً الى الصلاحيات الممنوحة لنا بموجب دستور الجمهورية اليمنية في تجسيد ارادة الشعب واحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية.
    هكذا ابتدأ منصور هادي حديثه في اعلان المجلس الرئاسي بالحفاظ على الوحدة الوطنية وهي اعمق من لفظ الوحدة اليمنية، فسبق ان اوضحنا في مناشط سياسية متنوعة ان الاخوة في اليمن الشقيق يتهربوا من مفردات الوحدة اليمنية ذاهبون الى مفهوم الوحدة الوطنية لانهم يدركوا تمام الادراك ان مفهوم الوحدة اليمنية تشكل بين دولتين قطريتين هما (ج .ي . د . ش) و(ج. ع. ي). ولذلك اكد منصور هادي على معاني ودلالات اللفظ السياسي لمفهوم الوحدة الوطنية الذي بدوره يغيب الطرف الشريك الذي صنع الوحدة. ثم اردف قائلاً:
    واستناداً الى المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، اكد منصور هادي وهو ذاهب خارج المشهد السياسي اليمني على التمسك بالوحدة اليمنية عبر مشروع المبادرة الخليجية وكلنا يعلم ان الحل السياسي لقضية الجنوب الذي جاءت به المبادرة الخليجية في الفقرة 21-3 الذي نصها: “ان تحل القضية الجنوبية بما يحافظ على وحدة اليمن السياسية”. فهل يرتضي الجنوبيون ان تحل قضيتهم وفق هذا النص؟

الحرب ونتائجها:
ان الواقع الذي افرزته الحرب لهو واقعاً جديدا يمكن ان يكون مرجعاً لعقد سياسي جديد في اليمن من حيث النتائج التي قسمت الى حدٍ كبير جغرافيا الجنوب عن الشمال، وكان من المفترض ان تستثمره قياداتنا في المجلس الانتقالي وتتمسك به الا ان القبول بالدعوة في المشاركة في المشاورات اليمنية اليمنية ذهبت بكل الانتصارات التي حققها المجلس الانتقالي ودراعه الصلب المقاومة الجنوبية الى المجهول هذا في اعتقادي. وخير دليل استشهد به تأكيد الاعلان الرئاسي التزامه بوحدة اليمن وسلامة اراضيه وكذا مخرجات الحوار الوطني. وكما سبق ان اوضحنا مفهوم الوحدة الوطنية ايضا فأن مفهوم الحوار الوطني يحمل نفس الدلالة السياسية لمفهوم الوحدة الوطنية وكلا المفهومين غايتهما دفن قضية شعب الجنوب. أي التأكيد على تغيب الطرف الذي صنع الوحدة التي انتهت باحتلال ارضه وهي ارض الجنوب وشعبه في صيف حرب 1994م. ويؤكد الاعلان الرئاسي تغييب الجنوب في مادته الاولى التي تنص على الآتي: “ينشأ بموجب هذا الاعلان مجلس قيادة رئاسي لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية”
السؤال …
كيف سيتم تنفيذ هذه المادة من قبل اعضاء هيئة الرئاسة المحسوبين على الطرف الجنوبي على افتراض انهم جميعاً مع حق تقرير مصير الشعب الجنوبي.
لو فرضنا ان الطرف الجنوبي عارض وبشدة على هذه المادة واعتبرها منتهية الصلاحية بموجب ما تمخض عن الحرب التي انتجت واقعاً سياسياً جديداً يختلف عن واقع ما قبل حرب 2015م.
السؤال …
هل سيقبل الطرف الشمالي في مجلس الرئاسة هذا الطرح الجنوبي؟
أن الواقع سيؤول إلى انقسام المجلس لا محالة وهو اول حلقة في فشل العمل الجمعي لمجلس القيادة الرئاسي الجديد وسوف تتلوها حلقات متعددة من الانقسام الذي حتماً سيؤدي الى الصدام وربما الى المواجهة المسلحة بين الطرفين خاصة وان المجلس الرئاسي مكون من زعماء الحرب.
بطبيعة الحال ليس لدي ادنى شك في نزاهة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي واخلاصه لشعب الجنوب وقضيته العادلة ولكن نحن في اطار قراءة للأحداث السياسية ومنها هذا المنشط السياسي المسمى المشاورات اليمنية اليمنية.
وما هذه الا محاولة متواضعة لقراءة المشهد السياسي لما بعد هذا الحدث السياسي اليمني. نرجو من القيادة ان يتسع صدرها للرأي الذي لربما يخالف قراءتها السياسية وهذا الرأي ما هو الا عباره عن اضاءات للقيادة في زمن ساد فيه الظلام بسبب كثرت المطبلين من الاعلاميين وحتى المحللين السياسيين الجنوبيين والغرض مفهوم لا داعي للتذكير به.
المجالس الرئاسية في اليمن:
اولا: المجالس في الجمهورية العربية اليمنية:

  1. في الفترة من 1962-1967 تشكيل مجلس رئاسي برئاسة الرئيس السلال لكن لم يرى طريقه الى النور
  2. في 1963 تشكل مجلس مكون من 33 عضو برئاسة الرئيس السلال ايضا لم يرى طريقه الى النور
  3. في 8 يناير 1965 صدر قرار بتشكيل مكتب سياسي مكون من 9 اعضاء برئاسة الرئيس السلال وفشل بفعل ضغوطات اقليمية عربية.
  4. في مايو 1965 صدر قرار بتشكيل مجلس جمهوري مكون من 3 اعضاء برئاسة الرئيس السلال ثم توسع ليضم 3 اعضاء جدد، ايضا تم اجهاضه من داخله.
  5. في نوفمبر 1967- 1974 صدر قرار بتشكيل مجلس رئاسي مكون من 3 اعضاء برئاسة عبدالرحمن الارياني.
  6. في يونيو 1974- اكتوبر 1977 صدر قرار بتشكيل مجلس قيادة رئاسي من العسكر برئاسة الرئيس الحمدي.
  7. في ابريل 1975 صدر قرار مجلس رئاسي مكون من اربعة اعضاء برئاسة الرئيس الحمدي حتى تم اغتياله في 1977م.
  8. في 1977- 1978 تشكل مجلس رئاسي برئاسة الرئيس الغشمي وتم اغتياله.
  9. في 1978 تم تشكيل مجلس رئاسي بقيادة القاضي عبدالكريم العرشي واستمر لمدة شهر فقط.
  10. في 17 يوليو 1978 صدر قرار مجلس رئاسي بقيادة علي عبدالله صالح الذي استمر في الحكم الى ما بعد اعلان وحدة البلدين في مايو 1990م.
    ثانياً: في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية:
    1.مجلس رئاسي للفترة من 1969- 1979م. تشكل بعد الاطاحة بالرئيس قحطان الشعبي في 22 مايو 1969 مكون من 5 اعضاء برئاسة الرئيس سالم ربيع علي “سالمين”
    ان المجالس الرئاسية التي تشكلت في “الجمهورية العربية اليمنية” اغلبها لم ترى طريقها الى النور أي ان فكرة العمل الجماعي داخل حياتها السياسية اجهضت وفشلت فشلاً ذريعا ولكم ان تتبعوا تاريخ الاحداث السياسية للعربية اليمنية والتي تؤكد ما انا ذاهباً اليه. ايضاً مجلس الرئاسة الذي تشكل في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية اساساً جاء لحل مشكلة الانقسامات السياسية داخل القيادة العامة للجبهة القومية.
    ولو اخدنا بالتاريخ القريب فأن المجلس الرئاسي الذي تشكل ابان وحدة البلدين (ج. ي. د. ش) و(ج. ع. ي) في 1990م فأن هذا المجلس تعثر بل أفشل بسبب عدم استيعاب العمل الجماعي داخل حياة المجلس وعدم الدراية التامة لاستيعاب المشاريع السياسية الكبرى وخاصة من قبل الطرف اليمني الشقيق، وتجلى ذلك منذ التأسيس حينما انقلب علي صالح على الشريك السياسي الجنوبي، وليس مجالاً للخوض في تفاصيل تلك الاحداث.
    من تاريخ الاحداث السياسية التي مرت بها البلاد..
    هل المجلس الرئاسي الذي تشكل بفعل دعوة الشقيقة السعودية لهو حالة استثنائية منفكه عن ارتباطاتها العضوية بتاريخ الصراع اليمني واحداثه المثقلة بالمآسي والفواجع على الشعبين في الجنوب والشمال؟
    هل الشخصيات التي تشكل منها المجلس الرئاسي هي شخصيات “استثنائية لديها من الافكار السياسية التي ميزتها عن اقرانهم التاريخيين” بحيث تستطيع العبور باليمن وشعبه شمالاً وجنوباً الى بر الامان؟
    في اعتقادي ومن خلال قراءتي المتواضعة لتاريخ الاحداث السياسية في الشمال والجنوب ان القادم السياسي في الداخل اليمني يندر بمكان من الخطورة وسيشهد مراحل اصعب مما شهدتها البلاد في السابق، وخاصة على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي. “أي ان المجلس الرئاسي مصيره لا ينفك عضوياً عن تراكمات تاريخ صراع المجالس الرئاسية السابقة والتي باءت كلها بالفشل وخاصة في اليمن الشقيق”.
    اتمنى من قيادتنا في المجلس الانتقالي ان تنظر بعين الاعتبار لما يكتب من آراء، وان تقرأ تاريخ الاحداث السياسية في البلاد قراءة تستشرف من خلالها افقاً يتسع لمستقبل آمن لشعبنا الجنوبي وكذا اشقائنا في الجمهورية العربية اليمنية كوننا في عقد سياسي مشترك، وكما يحلو ان يسموه المطبلون عقد بالمناصفة وهو الاخطر كون اشقاءنا اليمنيين يناصفوننا في الجنوب وسيادته، بينما ارض الشمال كلها بيد الانقلابيين الحوثة.
    دمتم بخير.

إلى الأعلى