يتدفق نزوج أبناء الشمال إلى الجنوب وخصوصًا إلى العاصمة عدن بشكل مستمر وصل إلى ملايين النازحين، في الوقت نفسه نجد مستوى التدفق لمحافظات الشمال الأمنه ضعيف، والغريب بالأمر نجد النازحين بالمناسبات والأعياد يرجعون إلى مناطقهم لقضاء الإجازات ثم يعودون إلى محافظات الجنوب. قد يكون النزوح لأسباب ودوافع سياسية، وقد يكون إجباري ولكن محافظات الشمال أولى بالنزوح إليها من عدة عوامل. إن النزوح إلى الجنوب تسبب في كارثة إنسانية وضاعف معاناة أبناء شعب الجنوب فارتفعت ايجارات السكن، واكتظت المدارس بالطلبة، وظهرت بسبب النزوح عدة مشكلات اقتصادية، وأمنية، وصحية، وتعليمية، واجتماعية، وسياسية، وانتشرت تجارة المخدرات.
بل وتفاقمت المشكلات لتصل إلى محاولة التغيير الديمغرافي للشعب الجنوب والتأثير على الهوية الوطنية الجنوبية باستخراج شهادات الميلاد من العاصمة عدن والبطائق الشخصية والجوازات وكأنهم من مواليد الجنوب.
فلماذا يلجأ العديد من النازحين إلى استخراج شهادات الميلاد من محافظات الجنوب بدعوة ضياعها ونسيانها في مناطق سيطرة الحوثي؟ هل للإخوان يد في هذه العملية الممنهجة؟ ما هي المشاكل المتوقعة والمحتمل حدوثها في حالة اصدار جوازات وبطاقات شخصية لأشخاص محسوبين على الجنوب وهم من محافظات الشمال؟ هل سيؤثر هذا العمل على الهوية الجنوبية ومستقبلها؟ وكيف يمكن الحد من هذه الظاهرة وايقافها؟
ولتسليط الأضواء على هذه الظاهرة كانت لنا عدة لقاءات مع أكاديميين وعسكريين وإعلاميين وسياسيين وخرجنا بهذه الحصيلة من الآراء والمعالجات.
-التغيير الديموغرافي
لجوء العديد من النازحين إلى استخراج شهادات الميلاد من محافظات الجنوب بدعوة ضياعها ونسيانها في مناطق سيطرة الحوثي حول ذلك يقول الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور فيصل حسين البعسي:” لا يخفى على الجميع أن اساليب المحتل كثيرة ومتعددة والتغيير الديموغرافي هو أحد هذه الأساليب بالتأكيد، وقد جاء ذلك على لسان عدد من النخب السياسية الشمالية بطرق مباشرة وغير مباشرة، وخاصة في استهدافهم العاصمة عدن التي يتبجح الكثير منهم انهم يشكلون الغالبية فيها، وهي ان وجدت كثافة منهم فهي نتيجة التسامح الجنوبي في الفترات الماضية حيث كان ابن الشمال منذ قبل الوحدة يأتي إلى الجنوب؛ ليصبح من اليوم الثاني مواطن جنوبي يتمتع بكامل حقوق المواطنة في الجنوب، بينما كان الجنوبي يصرف له في الشمال بطاقة جنوبي مقيم، ولو كان من مواليد الشمال أبًا عن جد، بل وحتى بعد الوحدة فانه لا يصرف للجنوبي بطاقة أو مخلقة أو جواز إلا ويشار فيها إلى مكان المولد في الجنوب في فرز مناطقي عنصري لم تعرفه حتى جنوب افريقيا في نظام (الأبارتيد)، وبعد هذا تجدهم يقذفون الجنوبيين بالعنصرية”، مضيفا :” أما اليوم فهم يستغلون حكومة المناصفة لتمرير هذا المخطط، وعليه نحذر أبناء الجنوب في مصلحتي الهجرة والجوازات والأحوال المدنية بعدم التسامح في هذا الجانب لأن؛ الموضوع سياسي وان غطي بغلاف إنساني”.
-النسيج الاجتماعي
بينما يضيف العميد ركن علي عبدالله بامعيبد قائلا :”في ظل اشتداد الرفض من قبل شعبنا في الجنوب لمشاريع الضم والالحاق والسلب والفيد والغنيمة لتحالف حرب صيف عام 1994م تحت يافطة الوحدة التي سقطت والتحول الشكلي والنوعي في مفاهيم الوحدة كنمطية إلى الاحتلال مكتمل الأركان. لجأت القوى المعادية لجنوبنا الحبيب إلى الأساليب الأكثر دناءة ومن بينها اصدار شهادات الميلاد والبطائق الشخصية من الأحوال المدنية العاملة في المناطق المحررة الجنوبية، وشراء الأراضي السكنية في المدن والأرياف والسكن في المجمعات السكنية بهدف التأثير على النسيج الاجتماعي على طريق إحداث تغيير ديمغرافي لصالح الاحتلال اليمني”.
-أساليب الغزو الممنهج
بينما ترى الإعلامية أمل يسلم مطر: ان استخراج شهادات الميلاد من مناطق الجنوب يعزز من الاستيطان الشمالي للجنوب، فهو اسلوب من اساليب الغزو الممنهج والمتعمد لتغيير الهوية الجنوبية وطمس ملامحها.
-أهداف سياسية خبيثة
ويؤكد الإعلامي العسل قائلاً: “يلجأ العديد من النازحين لاستخراج شهادات ميلاد من المناطق المحررة الجنوبية بدعوة ضياعها ونسيانها في مناطق سيطرة الحوثي؛ لزيادة كثافة السكان في الجنوب؛ ولكي يكون لديهم بطاقة تعريف بأنهم من الجنوب؛ ولتثبيت الوحدة اليمنية بالمشاركة والاستفتاء الذي سيكون في صالحهم، ولذلك استخراج شهادات الميلاد وتر يلعب عليه أبناء الشمال في الجنوب؛ من أجل سياسة أطماع وتسيرها نحو تحقيق أهداف تمنع فصل الجنوب عن الشمال”.
-أبعاد مستقبلية خطيرة
ترى الأستاذة أمل المصلي: أن اللجوء لذلك من أجل المساعدات، ومن أجل دمج أنفسهم مع أبناء عدن، ولهم أبعاد مستقبلية خطيرة جدًا، لأنه من الأسهل استخراجها من مناطقهم عند عودتهم إلى مناطقهم بشكل طبيعي.
وتضيف الأستاذة أمل المصلي :” المفروض استخراج بطاقة خاصة يسجل فيها نازح باسمه ويكون له رقم معين يُعرف به ومنطقته؛ لأن هناك نازح من تعز والحديدة والمخا وإب …إلخ ، فمن وجهة نظرهم سيكون هناك استفتاء على فك الارتباط، وعندهم أمل بأن يصبحوا من أبناء عدن، لأن أبناء عدن والجنوب فقط يحق لهم الاستفتاء وهذا عبر البطاقات الشخصية وسيتم استخراجها عبر شهادة الميلاد المستخرجة مسبقا لنازحين من عدن، وربما يدفعوا مبالغ طائلة لاستخراج شهادة الميلاد للوصول إلى البطاقات الشخصية والحصول على حق الاستفتاء أو الانتخاب أو مشابه ذلك”.
-قوى الاحتلال اليمني
يرى د. فيصل البعسي أن العملية لا تقتصر على اخوان اليمن فقط، بل هي ممنهجة، لكل قوى الاحتلال اليمني، ولا ننكر ان بعضها عفوي ودون تخطيط، ولكنه في الأخير قد يصبح يمثل اشكالية للمستقبل.
-هوية مزيفة
وعن المشاكل المتوقعة والمحتمل حدوثها في حالة اصدار جوازات وبطاقات شخصية لأشخاص محسوبين على الجنوب وهم من محافظات الشمال، يوضح الإعلامي العسل قائلًا:” المشاكل ستكون واضحة وضوح الشمس، وهي تثبيت ما يتم العمل عليه منذ عام 1994م قبل الوقوف على الجنوب عن طريق هذه الجوازات ومشاركتهم في الجنوب بكل مؤسساته ومرافقه كونهم جزء من هذا الوطن عن طريق هذه الجوازات وشهادات الميلاد، دخولهم في الحل السياسي الذي لن يكون في صالح الجنوب، سيكون وجودهم في الجنوب عن طريق هويتهم الجنوبية المزيفة أمر مريب وزيادة سكانيه ستجعل من الجنوب منبع الجهلة الشماليين، دخولهم سيكون تثبيت لأشياء دخيله على الجنوب مثل: الكذب والخداع والنفاق وسيتم أدخال هذه الصفات عن الطريق الهوية.
-تهديد الهوية الوطنية الجنوبية
وعن مدى تأثير ذلك على الهوية الجنوبية يقول العميد ركن علي بامعيبد:” تعرف الهوية الوطنية بأنها مجموع السمات والخصائص المشتركة التي تميز أمة أو مجتمعًا أو وطنًا معينًا عن غيره يعتز بها وتشكل جوهر وجوده، ونجد تلك الهوية الجامعة أصدق تعبيرًا لها في وحدة الإرادة المجتمعية في مواجهة أية مخاطر وجودية تهدد تلك الجماعة أو الشعب أو الأمة من خارج كيانها، إن ما يجري من زحف على أرض الجنوب تحت ذريعة النزوح يشكل خطر وتحدي للإرادة الجنوبية الأمر الذي سيهدد الهوية الوطنية الجنوبية”.
-دمج وتضيع حقوق
وتضيف الأستاذة أمل المصلي : “المشاكل عديدة منها دمج أبناء الشمال في الجنوب ونحن في مرحله حرجه جدًا، وأيضًا ما ذكرته من حق الاستفتاء أو انتخاب أو أي حقوق لأبناء الجنوب سواء من وظائف أو غيرها، فيجب إيقاف هذا العبث قبل ما ينفذ أمر ليس بالحسبان”.
-أهداف استيطانية
فيما يكشف د. فيصل قائلا:” أن الإشكالية الأكبر هي أن العملية ممنهجة وهدفها احداث تغيير ديموغرافي لأهداف سياسية، أهداف استيطانية بحتة”.
ويرى د. فيصل : أن لا مانع ان تصرف بطائق أو مخالق أو جوازات ولكن يجب الإشارة إلى مكان الميلاد الأصلي ومكان الإقامة الأصلية.
-عبء على الجنوب
بدورها الأستاذة أمل يسلم تقول :” أولاً: يمكن أن يؤثر هذا على الكثافة السكانية للجنوب الذي أصبح يضج بأعداد النازحين الكبيرة من جميع محافظات الشمال، وكذلك الأفارقة القادمين من البلدان المجاورة؛ مما يشكل عبء كبير على العاصمة عدن ومحافظات الجنوب وعلى الحصول على كافة الخدمات الأساسية.
ثانيا: كون أنهم حصلوا على شهادات ميلاد جنوبية هذا يعني انهم يستطيعون استخراج بطاقات جنوبية وجوازات سفر جنوبية وبذلك فهو محسوبين على الجنوب وأهل الجنوب.
ثالثا: في حال حصل استفتاء من أجل حق تقرير مصير شعب الجنوب فهم سيشاركون فيه بصفتهم جنوبيين وسيؤثرون سلبًا على نتيجة التصويت”.
-المراقبة ووضع الضوابط
وللحد من هذه الظاهرة تقترح الإعلامية أمل يسلم: مراقبة المجمعات الصحية، ومراقبة المرافق التي تصدر شهادات الميلاد، وعدم صرفها إلا بالوثائق الأصلية والاثباتات التي تدعم صحتها من نفيها وأن ينسبوا إلى أماكن ميلادهم الحقيقة وسكنهم الحقيقي قبل النزوح.
-زيادة الوعي المجتمعي
بينما يرى العميد ركن علي عبدالله بامعيبد لمواجهة هذه التحديات ينبغي على كافة أبناء الجنوب استخدام كافة الوسائل الممكنة والمشروعة لمواجهة هذا المد المعادي من خلال زيادة الوعي المجتمعي في الأحياء للمراقبة ومنع تأجير البيوت ومنع بيع الأراضي ومنع أي خدمة إلا في حدود الأطر الإنسانية.
-الظاهرة خطيرة
فيما يرى الإعلامي العسل أن المعالجات تكمن بتشكيل لجنة تستطيع تجاوز هذه الظاهرة الخطيرة عن طريق معرفتها بأنه يوجد تلاعب من أجل كسب هذه الشهادات لغرض سياسي خبيث، وهذه اللجنة تكون في مكتب الجوازات ولديها خبرة في نطاق هذا العمل للحد من خطورة هذه الظاهرة.