تتميز الدبلوماسية الإماراتية، في تعاملها مع الدول الخارجية، بنهج معتدل، رسَّخ دعائمه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ويستند إلى عمق، ووعي، وتوازن، وحكمة في تسيير الأمور، واحتواء المواقف، وكياسة في التعامل بموضوعية بالغة، مع الأحداث في المنطقة وخارجها، وفق قواعد استراتيجية ثابتة لا تحيد عنها الدولة، تتمثل في الحرص على التزامها بميثاق الأمم المتحدة، واحترامها للمواثيق، والقوانين الدولية.
واضطلعت الدولة، عبر دبلوماسيتها الرصينة، وعلاقاتها الاستراتيجية بقيادة سموّ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، وسجلها الحافل بالإنجازات، بدور محوري لافت في التشجيع على حل النزاعات، وتطوير المنظومة الدولية لمكافحة الإرهاب، لتتمكن من مواجهة التهديدات الناشئة، وتعزيز مشاركة المرأة الكاملة والمتساوية، والهادفة، وتعزيز جهود العمل، والتعاون، لمعالجة كثير من الظواهر المستجدة، وغيرها، كالاحتباس الحراري وتأثيراته، والتحديات العالمية، وسواها.
لتأكيد الدور البارز للدبلوماسية الإماراتية، ترأس سموّ الشيخ عبدالله بن زايد وفد الدولة، في الدورة ال 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عقدت من 20 إلى 26 سبتمبر الماضي في نيويورك، بمشاركة 150 رئيس دولة وحكومة، ونوقشت فيها المجريات، بما فيها تغير المناخ، وحل النزاعات، والتعافي بعد جائحة «كورونا»، وحالات الطوارئ الإنسانية، وانعدام الأمن الغذائي، فضلاً عن استعراض سموّه عبر خطابه للجمعية العمومية أولويات سياسة الإمارات، ورؤيتها لقضايا السلام، والأمن، والتعاون الدولي، فيما تعوّل الولايات المتحدة، على الدور الإماراتي الفاعل، والبنّاء في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وتهتم بالاستماع لرؤيتها وتقديراتها فيها، وكيفية التعامل معها.
التزام بالعمل
من هنا جاء التزام الدولة بالعمل من كثب مع إدارة الرئيس جو بايدن، للحدّ من التوترات الإقليمية، وبدء حوار جديد، وفقاً لمحادثة هاتفية لسموّه مع المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روبرت مالي، فيما كان سبقها تأكيد من صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في أعقاب قمة كامب ديفيد في الرابع عشر من مايو 2015، التي جمعت قادة الخليج مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، أن أمن منطقة الخليج العربي جزء أساسي من الاستقرار العالمي، بما يتوجب أهمية التحرك الاستباقي لمواجهة التحديات، والمخاطر التي تعترض أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وحينذاك قال سموّه «إننا نجحنا معاً بالتعاون البناء في التحالف العربي، وبمساعدة الأصدقاء، بعملية إعادة الأمل في اليمن، التي استطعنا عبرها وأد مشاريع إقليمية كانت تسعى لبثّ الفوضى والخراب، والفتن في المنطقة». فيما تتواصل هذه السياسة الراسخة، حيث التعاون وثيق وواسع النطاق بين الإمارات والولايات المتحدة، ويشمل مجالات مهمة، منها الطاقة النووية، والدفاع الصاروخي، فضلاً عن المساعي المشتركة لتعزيز التسامح الديني، ومكافحة الإرهاب، والتمويل غير المشروع والعقوبات على إيران، وغيرها.
مبادئ الخمسين
وبشكل عام، تعمل السياسة الخارجية للدولة وفق المبدأ الثالث من مبادئ وثيقة «مبادئ الخمسين»، المتبلور في خدمة المصالح الوطنية العليا، بما في ذلك تعزيز قوة اقتصاد الإمارات على المستوى الدولي، وذلك تمتلكه بجدارة الدبلوماسية الإماراتية، التي تعمل كذلك على تعزيز برامج مساعداتها الإنسانية، والإغاثية، والإنمائية، والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لكثير من الدول النامية، والمساهمة الفاعلة في كثير من عمليات حفظ السلام، وحماية السكان المدنيين، وإعادة الإعمار في المناطق المنكوبة بعد انتهاء الصراعات، وهو ما يجسد شراكتها المتميزة مع دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لصيانة واستقرار السلم، والأمن الدوليين، حيث شهدت العلاقات الإماراتية – الأمريكية تطوراً كبيراً في مختلف المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والتجارية، والعسكرية.
علاقات سلام
وتعد الولايات المتحدة، الدولة الثالثة التي تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الإمارات، ولديها سفير مقيم في الدولة منذ عام 1974، ويتمتع البلدان بعلاقات ودية مع بعضهما، فضلاً عن التعاون الأمني، فيما توثقت العلاقات بين الدولتين بشكل كبير في حملة التحالف بقيادة الولايات المتحدة، لإنهاء الاحتلال العراقي للكويت.
وعن دور الدبلوماسية الإماراتية في ترسيخ أسس السلام، قالت ريم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة ال 77، إن الإمارات تبني علاقاتها الخارجية بناء على السلام، مؤكدة في ذلك ضرورة الوصول إلى عالم خال من أسلحة الدمار الشامل خصوصاً في الشرق الأوسط.
ومن قولها أيضاً «دولة الإمارات ستواصل مسارها، إنسانياً ودبلوماسياً وتنموياً في دعم الشعوب المتضررة من الأزمات والكوارث، دون أي حسابات دينية أو عرقية أو سياسية أو ثقافية، وسنواظب على العمل مع كل الأصدقاء والشركاء لبناء قدرات، وكفاءات الحكومات، والشعوب في مختلف المجالات، لتحقيق الخير للعالم أجمع، وسيظل ذلك المسار نبراساً لجهودنا في المحافل كافة».
مواجهة التحديات
وقالت لانا زكي نسيبة، مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون السياسية والمندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، إن انعقاد الجمعية العامة هذا العام، يأتي في وقت حرج بالنسبة للمجتمع الدولي، حيث نواجه تهديدات عالمية معقدة، من الأوبئة، وتغير المناخ، إلى انعدام الأمن الغذائي، وقضايا انتشار أسلحة الدمار الشامل، وفي مواجهة تلك التحديات، تتطلع للعمل مع أعضاء المجتمع الدولي، من خلال أعمال الدورة ال77 للجمعية العامة، لخلق بيئة حاضنة للتعاون المستدام، وتوحيد وجهات النظر، وضمان تمكن الأمم المتحدة من الوفاء، بمسؤوليتها الأساسية في الحفاظ على السلام، والأمن.
ومن واقع ورقة سياسية صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية، في عهد مايك بومبيو، فشراكة واشنطن للإمارات ترتكز على أربعة محاور وهي شراكة تنمو في العمق والنطاق، حيث العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات تتميز بعمقها المتزايد، بإطلاق الحوار الاستراتيجي التأسيسي، والمشاركة في معرض «إكسبو 2020 دبي» العالمي، والشراكات الأمنية، والاقتصادية الجديدة المرتبطة بإعلان الاتفاق الإبراهيمي التاريخي للسلام.
وأكدت الورقة في محورها الأول أن «الإمارات لا تزال واحدة من أكبر شركاء التصدير التجاريين لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، حيث تجاوز إجمالي التجارة الثنائية 24 مليار دولار العام الماضي، واستثمرت الإمارات 26.7 مليار دولار في الولايات المتحدة عام 2018، والإمارات انضمت إلى الولايات المتحدة، و6 دول أخرى، في توقيع اتفاقيات أرتميس، لتوسيع الأنشطة البشرية لتشمل القمر والمريخ». وبالفعل حققت الإمارات خطوتها التاريخية ووصل مسبار الأمل إلى المريخ.
أما المحور الثاني فتبلور في دعم حقوق الإنسان، حيث أشارت ورقة وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن «الولايات المتحدة والإمارات، ستواصلان العمل في المبادرات التي تركّز على حقوق النساء، والأطفال، وذوي الإعاقة، وكبار السن والعاملين، تحت رعاية حوار حقوق الإنسان، إلى جانب العمل معاً لتعزيز احترام حقوق الإنسان، وتوسيع الجهود المشتركة، لتحسين سيادة القانون، ومكافحة الاتجار بالبشر»، مشيرة إلى أن البلدين يقدران حماية الحريات الدينية.
وتركز المحور الثالث في ردع التهديدات الإقليمية ومحاربة الإرهاب، حيث أوضحت واشنطن أنها والإمارات تتعاملان مع حظر الانتشار النووي، والتهديدات الإقليمية، وتواجهان «الأنشطة الإيرانية الخبيثة»، لاسيما أن الإمارات عضو في التحالف العالمي لمحاربة داعش، وتدعم مكافحة التطرف عبر مركزي «صواب» و«هداية».
أما المحور الرابع، فتناول فرصاً جديدة للتبادلات الثقافية والتعليمية بين الدولتين، حيث عبرت واشنطن عن التزامها بإنجاح معرض «إكسبو 2020 دبي»، موضحة أنها تتعاون مع الإماراتيين وغيرهم من الشركاء لتقديم برامج من الدرجة الأولى في جناح الولايات المتحدة، تعرض الثقافة الأمريكية، والتجارة، والابتكار.
أنجح التجارب
وفي الإشادة بدبلوماسية الدولة، وتقدير سياستها الخارجية الواعية، وفي قول سابق من السفير جمال بيومي، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، والخبير في شؤون السياسة الخارجية، جاء فيه «الإمارات تتبنّى سياسة خارجية متزنة ورشيدة، تتماشى مع المسار الاستراتيجي الذي حددته وثيقة «مبادئ الخمسين»، بحيث تضع السياسة في خدمة الاقتصاد، وتضع الاقتصاد في خدمة المواطن».
وأضاف: «دبلوماسية الإمارات من أنجح التجارب الدبلوماسية في العالم خلال الأعوام الخمسين الماضية، ويظهر ذلك بوضوح في علاقاتها الخارجية القوية، والمتنوعة، والواسعة، وستواصل تجربتها الدبلوماسية الرائدة والناجحة خلال مرحلة الخمسين عاماً المقبلة. وعلاقات الإمارات الواسعة مع أغلبية دول العالم لا تقتصر على الجوانب الدبلوماسية، والسياسية فحسب، وإنما تشمل الجوانب الاقتصادية، التي تظهر تأثيراتها الإيجابية المباشرة في حياة المواطن العادي، أيضاً، ما يجعل من السياسة الخارجية الإماراتية، إحدى أدوات خدمة المصالح العليا للدولة، ويأتي على رأسها توفير حياة كريمة للمواطنين، بتسخير مؤسسات الدولة الداخلية، والخارجية، لبناء اقتصاد قوي يحقق الرفاهية وجودة الحياة لأبناء الوطن، وهناك روابط قوية، وعلاقات راسخة تجمع الإمارات بأغلبية دول العالم، وتجمعها شراكات وعلاقات متميزة خاصة بالقوى العالمية الكبرى، وعلى رأسها أمريكا وأوروبا، إلى جانب الصين وروسيا والهند، وغيرها».
تعاون دبلوماسي
تعدّ الدبلوماسية الإماراتية بين الإمارات والصين من الأبرز بمكان، حيث بدأت في عام 1984، وتوثقت على مدار العقود اللاحقة، وربطت بين الدولتين مصالح مشتركة، إلى أن أعلنت شراكة استراتيجية شاملة خلال زيارة الرئيس الصيني إلى الإمارات في يوليو 2018.
ونجحت الدبلوماسية الإماراتية في أن تجعل الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين في العالم، وأكبر شريك للصين في المنطقة العربية، حيث 60 % من حجم التجارة الصينية يعاد تصديرها عبر موانئ الإمارات، إلى أكثر من 400 مدينة في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، فضلاً عن أن الإمارات تأتي على رأس قائمة مصدّري النفط للصين، وتتخذ نحو 4200 شركة صينية الإمارات مقراً رئيسياً لها.
وهناك التعاون الدبلوماسي بين الإمارات والهند في مختلف القطاعات، لاسيما القطاع الاقتصادي، حيث جاءت الإمارات كثالث أكبر شريك تجاري للهند للعام المالي 2015 – 2016.
علاقات دبلوماسية مع 189 دولة
تقيم الدولة علاقات دبلوماسية مع 189 دولة، وتوجد على أراضيها 110 سفارات أجنبية، و75 قنصلية عامة، فضلاً عن مقرات ل15 منظمة إقليمية ودولية، ويصل عدد سفاراتها في الخارج إلى ما يقارب 70 سفارة، و11 قنصلية، وثلاث بعثات دائمة.
ومن اتفاقيات التوأمة ترتبط إمارة دبي مع ديترويت باتفاقية توأمة، إلى جانب أنه منذ عام 2002 ترتبط أبوظبي باتفاقية توأمة مع هيوستن، فضلاً عن توأمة مع لوس أنجلوس، عدا استضافة موانئ الإمارات عدداً من السفن البحرية الأمريكية أكثر من أي ميناء خارج الولايات المتحدة.