يواجه حزب التجمع الوطني للإصلاح الذي احتفل مؤخرا بالذكرى الثانية والثلاثين لتأسيسه تحديات وجودية، مع اضمحلال دوره السياسي داخل السلطة الشرعية في اليمن، وتآكل مراكز نفوذه العسكري في الجنوب، وقبلها في الشمال الذي بات معظمه تحت سيطرة الحوثيين.
وتبدو الخيارات ضئيلة أمام الحزب الذي نشأ في عام 1990 ويشكل الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لاسيما بعد نجاح خصمه المجلس الانتقالي الجنوبي في فرض سيطرته على دفة الأمور داخل السلطة الشرعية، بدعم وغطاء من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
ويقول مراقبون إن هامش المناورة لدى الجماعة بات ضيقا للغاية، وهذا ما يدفعها إلى الخيارات اليائسة، كمحاولة الإيحاء بأن فرضية التقارب مع الحوثيين واردة وأن الإشكال الوحيد بين الطرفين يكمن في وجود أزمة ثقة.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن تعمد قيادي إخواني مؤخرا الكشف عن محاولات لوساطة تركية جرت قبل عامين بين حزبه وجماعة الحوثي، لم يكن بريئا أو مجرد تصريح عابر غير مدروس، بل هو في واقع الأمر رسالة إلى التحالف العربي الداعم للشرعية ولاسيما السعودية، يفيد مضمونها بأن حزبه الذي سبق أن تحفظ على هذه الوساطة قد يجبر على أن يدفع بمثلها إن استمر نزيف الحزب.
وكشف القيادي وعضو البرلمان اليمني عن كتلة الإصلاح شوقي القاضي، في مداخلة تلفزيونية، أن جماعة الحوثي طلبت عبر السفير التركي قبل عامين عقد مصالحة مع حزب الإصلاح للتوقف عن القتال.
وأضاف القاضي “قلت حينها للسفير التركي إننا مكون من مكونات الشرعية ولا يمكن أن ننخرط في مفاوضات أحادية مع الميليشيات”.
واستدرك القيادي الإخواني بالقول إنه أبدى موافقة شخصية على التفاوض مع جماعة الحوثي مقابل ضمانات تركية على ما يتم الاتفاق عليه، إلا أن السفير التركي تراجع عن رأيه بعد تأكيده أن بلاده لا تستطيع ضمان تنفيذ أي اتفاق مع الحوثيين.
وأشار القاضي إلى أن مشكلة حزبه مع جماعة الحوثي هي مشكلة بناء ثقة، بعد نقض عدة اتفاقيات أبرزها مخرجات الحوار الوطني، مطالبًا الجماعة الموالية لإيران بإبداء حسن النية ورفع الحصار عن مدينة تعز وإطلاق سراح المختطفين، وعلى رأسهم القيادي في الحزب محمد قحطان.
وتأتي تصريحات النائب اليمني بالتزامن مع أنباء عن إغلاق السلطات السعودية مقرات إعلامية تابعة لحزب الإصلاح، وسبق ذلك حديث عن مغادرة قيادات من الإصلاح أراضي المملكة، ما يعكس أن العلاقة بين الحزب والرياض وصلت إلى طريق مسدود.
وشهدت العلاقة بين الحزب الإخواني والسعودية تحولا منذ أبريل الماضي، حينما قررت الرياض بدعم من مجلس التعاون الخليجي وبتوافق يمني داخلي، إسناد صلاحيات الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس قيادي رئاسي جديد يكون ممثلا للقوى الوازنة في اليمن.
وجاء هذا التحرك بعد أن ثبت فشل الرهان على الرئيس هادي في إدارة الصراع مع الحوثيين، وتفشي الفساد في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية، والذي يتحمل حزب الإصلاح الجانب الأكبر من المسؤولية عن ذلك، حيث كان المهيمن على السلطة ولا يستطيع الرئيس هادي اتخاذ قرارات مفصلية دون العودة إليه.
وعمد مجلس القيادة الرئاسي الجديد الذي يترأسه رشاد العليمي إلى إجراء تحويرات مست الحكومة والقضاء، واعتبر حزب الإصلاح أنها تستهدف تحجيم نفوذه. وعززت العمليات العسكرية التي شنت في محافظتي شبوة وأبين على أيدي قوات تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، مخاوف الحزب الإخواني الذي عمد إلى محاولة التشكيك في شرعية المجلس لإيقاف هذا النزيف الذي يتعرض له، لكن خطوته تلك قوبلت بصد من المجتمع الدولي.
وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال لقائه الاثنين رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، على دعم الولايات المتحدة للمجلس، وقبل ذلك كان سفراء الاتحاد الأوروبي أعربوا بعد اجتماع مع العليمي في الرياض عن “دعمهم القوي” للسلطة الجديدة وأكدوا على أهمية الحفاظ على وحدة المجلس.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن المواقف الصادرة عن المجموعة الدولية أوصدت الباب أمام محاولات الإصلاح لضرب شرعية المجلس، كما أنها أدت إلى إثارة غضب السعودية، التي ترى أن ما أقدم عليه الحزب يضر بجهودها في حل الأزمة اليمنية المعقدة.
ويشيرون إلى أن الحزب قد يرى في التحرك باتجاه فتح قنوات تواصل سياسية مع جماعة الحوثي الخيار المر الذي قد يضطر إليه في المستقبل القريب لضمان نفوذه في اليمن، لكن هذا الخيار يبدو محفوفا بالمخاطر.
ويقول المتابعون إن الإصلاح سيواجه بداية صعوبة في البحث عن وسيط إقليمي يقبل لعب هذا الدور ولا يخشى غضب السعودية، مشيرين إلى أن تركيا لا يمكنها أن تكون مثل هذه الجهة، حيث أن أنقرة تسعى جاهدة لإنهاء فجوة الثقة مع الرياض، ومثل هذه الخطوة قد تنتهي بها إلى عودة العلاقات مع الأخيرة إلى الوراء وهو ما لا يخدم مصلحتها.
وتحتضن تركيا عددا من قيادات الإصلاح التي تملك استثمارات عقارية ضخمة هناك، لكن مصادر إعلامية يمنية كشفت أن السلطات التركية قلصت مساحة تحرك تلك القيادات، وسط مخاوف من أن تعمد أنقرة إلى ترحيلها.
ويضيف المتابعون أن قطر التي تدعم حزب الإصلاح وتفسح لقياداته حرية الحركة واستغلال منابرها الإعلامية هي بدورها لا تريد أن تتخطى هذا الدعم، لأن ذلك سيجعلها في مواجهة لا تريدها مع السعودية.
ويلفت هؤلاء إلى أن ما يعقد الأوضاع أكثر بالنسبة إلى حزب الإصلاح هو أن الحوثيين سيرون في أي تحرك سياسي باتجاههم نقطة ضعف، سيوظفونها لصالحهم دون توفير أي ضمانات للحزب.
ويقول المتابعون إن حزب الإصلاح سيكون مجبرا اليوم على التحرك ببطء شديد دون القيام بردود فعل قد تكون تكلفتها باهظة، بالتوازي مع عمليات جس نبض للحوثيين بدأ فعلا من خلال بعض أجنحته التي فتحت اتصالات مع قيادات حوثية للبحث عن أرضية مشتركة تراعي مصالح كلا الطرفين.
وعلى امتداد سنوات الحرب الثماني حصلت تقاطعات بين حزب الإصلاح والحوثيين، على أرض الميدان، وآخرها ما تعرضت له مناطق في شبوة قبل أن تستردها ألوية العمالقة الجنوبية، وربما سرع ذلك خطوات الرياض لناحية إعادة النظر في الدور المتعاظم للإخوان.