محليات

تحركات دولية لإنقاذ الهدنة من التعنت الحوثي

قدم المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي حول تطورات الأزمة اليمنية، في ظل مؤشرات على تعثر جهود تمديد الهدنة، نتيجة لتصلب الحوثيين وتصعيدهم العسكري الأخير ورفض الحكومة الشرعية في المقابل الحديث عن المضي قدما في جهود التسوية السياسية دون التزام الحوثيين ببنود الهدنة وخصوصا ما يتعلق بفتح الطرقات في مدينة تعز.

وتأتي الإحاطة الجديدة للمبعوث الأممي في أعقاب زيارة قام بها للعاصمة الإيرانية طهران حيث التقى بمسؤولين إيرانيين، في محاولة لدفع طهران للعب دور فاعل في الضغط على الميليشيات الحوثية لوقف التصعيد والموافقة على تمديد الهدنة الأممية التي تنتهي مطلع أكتوبر القادم.

وشملت الجولة الأخيرة لغروندبرغ زيارة العاصمة السعودية الرياض حيث التقى مسؤولين سعوديين ويمنيين من بينهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الذي تشير المصادر إلى أن المبعوث نقل إليه دفعة جديدة من المطالب والذرائع الحوثية والإيرانية المشتركة التي تحول دون تمديد الهدنة، ومن ذلك ما يتحجج به الحوثيون حول عرقلة التحالف العربي لوصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا أن أزمة المشتقات التي تشهدها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين مفتعلة.

وأصدرت الحكومة الخميس، بيانا أكدت فيه “عدم وجود أي قيود من جانبها لدخول سفن المشتقات النفطية إلى موانئ الحديدة، وحرصها على منح كافة التسهيلات الإضافية في هذا الجانب من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية، وتفويت فرصة على الميليشيات الحوثية لابتزاز المجتمع الدولي، وإثرائها غير المشروع من الأسواق السوداء”.

وذكرت الحكومة، في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، أن “الميليشيات الحوثية بدأت منذ 10 أغسطس الماضي، إجبار الشركات وتجار المشتقات النفطية على مخالفة القوانين النافذة، والآلية الأممية الدولية المعمول بها منذ ديسمبر 2019 لاستيراد الوقود عبر موانئ الحديدة، سعيا منها لإفشال الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، والهروب من التزاماتها خصوصا تلك المتعلقة بدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها”.

وأوضحت الحكومة أن “هذه الممارسات من جانب الميليشيات، أدت إلى عرقلة دخول سفن المشتقات النفطية بشكل منتظم وفقا لبنود الهدنة الجارية وخلق أزمة وقود مصطنعة، خدمة لمشروعها المأزوم، وتعبئة المغرر بهم إلى جولة جديدة من التصعيد غير المحسوبة عواقبه”.

وفي تصريح لـ”العرب” حول رؤيته لواقع الجهود الدولية في ظل التطورات الأخيرة في المشهد اليمني، قال الباحث السياسي ومدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري إن جلسة مجلس الأمن بشأن اليمن التي عقدت الخميس كانت مغلقة وغير معلنه وهو ما يشير إلى أن المجلس في حاجة إلى إحاطة صادقة وإجابات واضحة من المبعوث الأممي وصراحة جادة من الجهات والأطراف الفاعلة في الملف اليمني.

وأشار الجبري إلى أن المبعوث الأممي سيكون ربما أكثر وضوحا في الجلسة المغلقة، لكشف الطرف المعرقل لجهود السلام كونه يخشى إغضاب الحوثيون إن قالها في العلن.

وأضاف “من خلال جولته الممتدة إلى إيران ومختلف العواصم العربية يحاول المبعوث الأممي إنقاذ خط سير الهدنة في اليمن واستجلاب كل أنواع الدعم ليتم تجديد الهدنة لفترة أطول أملا في إيجاد أرضية مشتركة يتم البناء عليها وتحقيق السلام في اليمن”.
ولفت الجبري إلى أن المبعوث الأممي هذه الفترة مقيد بخط زمني حيث أن التمديد الأخير للهدنة تبقي منه أقل من ثلاثة أسابيع.

وأضاف “أي تمديد آخر للهدنة لن يكون كسابقيه على نفس الشروط وربما صرف رواتب موظفي الدولة المتوقفة منذ ست سنوات أقرب الخيارات لجميع الأطراف الرغبة الدولية في إيقاف الحرب في اليمن قد تدفع الدول الفاعلة للمساهمة في تمويل عملية صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية التي تقدر بنحو 40 مليون دولار شهرياً أملا في تمديد للهدنة يصل إلى ستة أشهر قادمة”.

وتسعى الأمم المتحدة لتعويض فشلها في انتزاع أيّ تنازلات من الحوثيين عبر جولات الحوار المباشر معهم في الأردن أو سلطنة عمان أو من خلال التواصل مع طهران، من خلال ممارسة ضغوط إضافية على الشرعية اليمنية لتبديد الذرائع الحوثية التي باتت المعطل الأساس لمساعي إحلال السلام التي تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في اليمن.

وفيما تبدو الزيارة كرسالة سياسية صارمة حول تمسك الشرعية اليمنية ببنود اتفاق الهدنة ورفض الضغوط الدولية، قال عضو مجلس القيادة الرئاسي عثمان مجلي، خلال لقاء جمعه مع سفير بريطانيا لدى اليمن ريتشارد أوبنهايم، إن “السبل الكفيلة بإخراج اليمن من حالة الحرب إلى آفاق السلام المنشود الذي يتطلع إليه اليمنيون، وليس ذلك الذي تسوّق له ميليشيا الحوثي من خلال وكلائها الذين كانوا وما زالوا سببًا في إراقة دماء اليمنيين”.

ونقلت وكالة الأنباء اليمنية عن مجلي تأكيده على أن الهدنة الأممية ما تزال مطبّعة من جانب واحد فقط منذ إعلانها وهي الشرعية اليمنية، مشيرا إلى أن “إدارة الهدنة بشكلها الحالي لا تخدم شعبنا اليمني الصابر على ظلم ميليشيات إيران – الحوثي، كما أنها لم تقدم للشعب ما كان يعرضه المجتمع الدولي للدولة من وعود للتنازل مقابل سلام دائم وشامل ينهى الأطماع الإيرانية في اليمن، ويوقف تهديدها للملاحة الدولية وتوتير المنطقة وتهديد مصادر الطاقة ومصالح العالم”.

وتترافق جهود تثبيت الهدنة وتمديدها التي تقوم بها الأمم المتحدة والدول الفاعلة في الملف اليمني، على وقع التصعيد الحوثي الذي تمثل في التلويح باستهداف ممر الملاحة الدولي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إلى جانب الخروقات الحوثية المتواصلة في معظم الجبهات وخصوصا مأرب والضالع وتعز والحديدة.

وحول تقييمه لأداء المبعوث الأممي إلى اليمن وفرص نجاحه قال يعقوب السفياني، مدير مكتب “ساوث 24” في عدن إن المبعوث الأممي إلى اليمن يحاول تحقيق اتفاق هدنة موسع قد يستمر إلى نصف عام بشروط وبنود جديدة وهو الأمر الذي تعثر بشكل كلي قبل تمديد الهدنة في 2 أغسطس بسبب تمسك الحوثيين بمطالب عديدة مثل الفتح الكامل لمطار صنعاء وموانئ الحديدة وصرف مرتبات الخدمة العامة في مناطقهم من خزينة الدولة الشرعية مقابل رفض أيّ التزامات من قبلهم مثل توريد إيرادات ميناء الحديدة للبنك المركزي بعدن، وهو ما رفضه المجلس الرئاسي.

ولفت السفياني إلى أن الأمم المتحدة تدرك أن انتهاء الهدنة في 2 أكتوبر القادم دون إنجاز اتفاق هدنة موسع أو تثبيت وقف إطلاق النار يعني عودة الحرب الطاحنة التي ستدخل مرحلة كسر العظم مع وجود مجلس رئاسي يضم القادة العسكريين للقوات الرئيسية المناهضة للحوثيين، وعلى الأرجح لن يكون تمديد الهدنة بشكلها الحالي لفترة أخرى ممكناً ولن تقبل به الأطراف الداخلية لاسيما الحوثيين.

وأضاف السفياني في تصريح لـ“العرب” أن “فشل البناء على الهدنة الحالية في لحظاتها الأخيرة هو فشل الدبلوماسي السويدي كمبعوث لليمن، لذلك تأتي جلسة مجلس الأمن المغلقة في سياق دعم مساعي غروندبرغ لإنجاز اتفاق هدنة موسع في اليمن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جولة المبعوث الأميركي في المنطقة”.

وتابع “يبدو أن حلحلة الملف اليمني اليوم أصبحت أكثر صعوبة في ظل التعقيدات الداخلية والخارجية أيضا فهذا الملف يرتبط بقضايا إقليمية ودولية على رأسها الملف النووي الإيراني، فالكل يعلم أن الكثير من المواقف الحوثية ترتبط بشكل مباشر بداعميهم في طهران ويشمل الأمر أيّ اتفاق جديد بخصوص الهدنة ووقف إطلاق النار”.

إلى الأعلى