حوارات واستطلاعات

“أنصار الشريعة” و”القاعدة”.. وجهان لإرهاب واحد يفتك بالجنوب

باغت تنظيم القاعدة الإرهابي القوات الجنوبية في بهجوم غادر جديد معلنا بدء معركة مصيرية في محافظة أبين لإبقائها ساحة لنشاطه.

هجوم نفذه تنظيم القاعدة عبر جناحه “أنصار الشريعة”، وهو مسمى ابتكره التنظيم الإرهابي بعد تصنيفه على قوائم الإرهاب العالمية، وعاد لاستخدامه مؤخرا بعد الضربات القاصمة جنوبي وشرقي اليمن على يد القوات الجنوبية بدعم من التحالف العربي بقيادة السعودية.

وأظهرت صورة لأحد عناصر التنظيم القتلى وهو يرتدي قميصا عليه شعار القاعدة إلى جانب “أنصار الشرعية.. ولاية لحج”، فيما كشفت هوية آخر أنه ينحدر من محافظة البيضاء الخاضعة للحوثيين المصنفة كملاذ القاعدة الآمن.

ويشير ذلك، وفق خبراء تحدثوا لـ”العين الإخبارية”، إلى أن التنظيم الإرهابي جلب عناصره من محافظات يمنية عدة محررة وغير محررة، لشن هجمات انتقامية ضد القوات الجنوبية في أبين مستغلا غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية.

وخلف هجوم القاعدة على حاجز أمني في بلدة “مقاطين” بمديرية أحور شرق أبين نحو 21 قتيلا من جنود وضباط قوات الحزام الأمني المعنية بمكافحة الإرهاب في القوات الجنوبية فيما قتل 7 من عناصر التنظيم خلال المواجهات.

وجاء الهجوم بعد أيام من بث تنظيم القاعدة الإرهابي، مناشدة أحد الموظفين الأمميين المختطفين منذ 11 فبراير/ شباط وقد حاول استخدامه لمقايضة الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي لإطلاق سراحه مقابل فدية مالية وتحرير عدد من معتقليه.

وإزاء رفض المجلس الرئاسي بما فيه القوات الجنوبية إبرام صفقة مع القاعدة، بدأ التنظيم الإرهابي في اللجوء إلى شن الهجمات الانتقامية وسط توقعات بتنامي وتيرتها ما لم يتم إجهاض مخططاته مسبقا استخباراتيا وعسكريا.

“أنصار الشريعة”
ظهر هذا المسمى للقاعدة للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2009، بالتزامن مع تنامي نشاط التنظيم الإرهابي عبر أعمال الذبح وقتل الجنود وتنفيذ أعمال التقطع والنهب بعد أن استقطب لصفوفه المجرمين وأصحاب السوابق الجنائية.

آنذاك، زعم تنظيم القاعدة عدم اعترافه بما يسمى “أنصار الشريعة في محافظة أبين”، إلا أن ذلك لم يكن إلا محاولة منه لتشكيل جناح جديد للتنظيم الإرهابي في اليمن من دون أن يحمل إرثه.

وقال مصدر أمني لـ”العين الإخبارية”، “ليس هناك اختلاف بين “أنصار الشريعة” و”القاعدة”، إذ أن الأول استخدم كذراع للتنظيم الإرهابي استهدف من خلال التغلغل في الأوساط الشعبية لاستقطاب عناصر جديدة”.

وأصبح “أنصار الشريعة” بمثابة جناح لتنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن، أو اسما رديفا لـ”التنظيم الأم في جزيرة العرب” في البلاد، وذلك على غرار “جبهة النصرة “في سوريا التي فرخها التنظيم الأم.

وأدرجت واشنطن في 2012 أنصار الشريعة على قوائم الإرهاب كمسمى آخر لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في اليمن، وهو أخطر فروع التنظيم على مستوى العالم.

ومؤخرا استغلت القاعدة الانقسام الذي أحدثه تنظيم الإخوان الإرهابي في محافظة أبين منذ 2019، في إعادة إحياء قدراتها لإعادة ترتيب صفوف التنظيم بغرض فرض سيطرته على أبين كبوابة شرقية للعاصمة عدن التي تشرف على أهم الممرات البحرية العالمية وذلك بعد أن تلقى ضربات قاصمة منذ 2015 ساهم بتراجعه إلى البيضاء.

الإخوان منبع التنظيمات الإرهابية
بالنسبة للباحث في شؤون الجماعات الإرهابية في اليمن سعيد بكران فإن “أنصار الشريعة هو تنظيم القاعدة نفسه، وتم تغيير الاسم لأسباب تكتيكية، بعد تصنيف التنظيم الرئيسي بقوائم الإرهاب”.

وقال بكران في تصريحات لـ”العين الإخبارية”، إن “تغير الأسماء ليس جديدا فسبق أن رأيناه في سوريا”.

ويؤكد الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية أن تنظيم القاعدة ككل؛ كتنظيم وكفكر، نبع من التنظيم الدولي للإخوان مدللا على ذلك بالتهديدات التي أطلقها نشطاء حزب الإصلاح (ذراع الإخوان السياسية) على جميع وسائل الإعلام المحلية الإخوانية المدعومة إقليميا ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة.

وفي إشارة إلى أن آلة الإخوان الإعلامية وقفت خلف التمهيد للهجوم الإرهابي في أبين، قال بكران إن “الأبواق والقيادات الموالية لحزب الإصلاح الإخواني توعدت باستخدام الإرهاب واستخدام خيارات أخرى مفاجئة وصادمة كما تم وصفها”.

ويستبعد بكران أن يكون هجوم القاعدة في أبين استباقا لتوحيد قوات الشرعية، معربا عن اعتقاده بأن الهجوم استهدف بالدرجة الأولى الانتقام من القوات الجنوبية التي نجحت في تحرير شبوة.

ووفقا للباحث اليمني، فإن هجوم أبين يستهدف “وقف أي تمدد للقوات الجنوبية شرقا نحو المهرة ووادي حضرموت لتثبيت الأوضاع الأمنية والعسكرية في هذه المناطق”.

وأشار إلى أن “المواجهة كبيرة بالنسبة للمعركة مع هذا التنظيم الإرهابي المتطرف ومن يدفعه ويموله، وهي مواجهة تاريخية وتخص الأمن القومي العربي، وحال انكسر الجنوب فستعم الفوضى المنطقة برمتها”.

كما أشار إلى الأهمية الاستراتيجية للأرض الجنوبية كجغرافية حساسة تواجه أطماعا كبرى كمنفذ للوصول إلى الخليج العربي وبالتالي يجب أن “تحظى القوات الجنوبية بدعم كبير وتُعطى الصلاحيات الكافية لمواجهة الإرهاب”.

وقال إن “الخطر لا يخص أبين وحدها، إنه تنظيم إرهابي هدد العالم بأسره ذات يوم، وضرب مركز التجارة وهو رمز التجارة العالمية والمصالح العالمية ومصالح المجتمع الدولي، وهو اليوم يتخذ من هذه المناطق ساحة وملعبا وملاذا يتحرك فيه ويسفك الدماء”.

وشدد بكران على ضرورة أن “يحظى بتغطية إعلامية واسعة من جميع وسائل إعلام التحالف العربي وجميع الدول التي تهتم بمكافحة الإرهاب وأن يحظى بدعم إعلامي وسياسي وأمني وإمكانيات لمواجهة خطر الإرهاب المتعاظم”، معربا عن أسفه مما وصفه بـ”التخاذل والتقاعس الدولي في إدانة مثل هذه الأعمال الإرهابية”..

أولوية العمل الاستخباراتي
ويعتمد تنظيم القاعدة الإرهابي على حرب العصابات واستخدام أسلحة متطورة في شن هجماته الإرهابية مستغلا ضعف الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية وغياب التنسيق بينها لعوامل عدة خلقتها حرب الحوثي وحلفائه من التنظيمات الإرهابية.

ويشدد الخبير العسكري وضاح العوبلي لـ”العين الإخبارية”، على ضرورة “العمل الاستخباراتي كأولوية قصوى توفر 50 بالمئة من جهود المعركة، وتختصر الطرق لضرب الخلايا الإرهابية في معاقلها وقبل انطلاق هجماتها الإرهابية”.

وقال الخبير في الشؤون العسكرية في اليمن في تصريح لـ”العين الإخبارية”، إن “القوات التي تتحرك بدون دليل استخباراتي يرسم لها مسرح عملياتها، ويقسم أمامها خريطة منطقة العمليات إلى مناطق خطرة/متوسطة الخطر/آمنة، فهي بدون ذلك تمضي في حقل شائك بالمهددات والمخاطر”.

وحث العوبلي المجلس الرئاسي بما فيه القوات الجنوبية إلى ضرورة بناء جهاز استخباراتي فاعل، والعمل على التجنيد من أبناء المناطق التي تنتشر فيها خلايا التنظيمات الإرهابية لتكون قناة استخباراتية مباشرة في عمق هذه المجتمعات”.

كما شدد على ضرورة حشد المجتمعات المحلية عبر برنامج تعبئة وفاعليات مختلفة، وتشكيل شبكات مصالح وولاءات بمناطق نشاط التنظيمات الإرهابية.

معركة مصيرية
الهجوم الإرهابي للقاعدة لن يثني القوات الجنوبية بدعم من التحالف العربي عن خوض معركتها المصيرية التي بدأت منذ 2015 وقدمت خلالها تضحيات كبرى.

وبحسب متحدث القوات الجنوبية النقيب محمد النقيب فإن “القوات الجنوبية مستمرة في دورها في تنفيذ ما أوكل إليها من مهام أمنية في إطار عملية سهام الشرق لملاحقة العناصر الإرهابية من تنظيمي القاعدة وأنصار الشريعة ودك أوكارها وتفكيك خلاياها”.

واعتبر المتحدث العسكري أن “الهجوم الإرهابي الغادر الذي استهدف حاجزا أمنيا بمديرية أحور في محافظة لهو دليل على حجم الضربات الموجعة التي ألحقتها قواتنا بالتنظيمات الإرهابية وعناصرها”.

وأكد أن “المعركة المصيرية مستمرة مع الإرهاب بمختلف أشكاله وبلا هوادة وعلى امتداد ترابنا الوطني الجنوبي، ورغم كلفتها إلا أن انتصار القوات الجنوبية هو نجاح للمعركة الدولية ضد الإرهاب”.

كما أكد المسؤول العسكري أهمية تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية إلى جانب القوات الجنوبية في مواجهة الإرهاب وخوض ملحمة أسطورية لا نظير لها.

وفي وقت سابق، قال مصدر أمني لـ”العين الإخبارية”، إن تنظيم القاعدة الإرهابي شن هجوما مسلحا ومباغتا بالمدافع الرشاشة وصواريخ آر بي جي على حاجز أمني لقوات الحزام الأمني في بلدة “مقاطين” في مديرية أحور شرقي أبين في وقت مبكر امس الثلاثاء.

وبحسب المصدر قوات الحزام الأمني نجحت بعد اشتباكات عنيفة من التصدي للعناصر الإرهابية المهاجمة ما أدى إلى مصرع 7 عناصر من تنظيم القاعدة وأسر آخرين فيما سقط 21 جنديا من القوات الجنوبية قتلى في حصيلة ثقيلة تكشف خطر الإرهاب محليا وعالميا.

إلى الأعلى