بعد سنوات من العلاقة السرية على قاعدة “التخادم وتبادل المصالح” بدأ تحالف الحوثي والإخوان يظهر للعلن.
التحالف الإخواني الحوثي افتتح فصلا جديدا من الحرب على الشرعية، بعد التمرد في محافظة شبوة.
ففي هذه الأحداث وظف الإخوان قوتهم الناعمة والدعائية، بما فيها ماكينات الإعلام الضخمة، التي أحيت مؤخرا دعوات صريحة للتقارب مع مليشيات الحوثي بغطاء “الانتصار للعلم اليمني” وحماية “البلد” من الانقسام، بل وتجاوز إلى شن هجمات مسيئة للتحالف العربي بقيادة السعودية.
أثناء تلك الأحداث تجلى ذلك بصورة أوضح، حين بدأ التمرد الإخواني ضد السلطة المحلية المعترف بها، ومحاولة فرض أمر واقع في المحافظة، التي تحتل أهمية كبيرة في حسابات الإخوان، لجهة الحفاظ على وجودهم العسكري والأمني جنوب اليمن.
عرض إعلان الزواج السري
في المقابل، أبدت مليشيات الحوثي الإرهابية صراحة استعدادها لفتح صفحة جديدة مع تنظيم الإخوان الإرهابي، شريطة أن يظهر الإخوان التزاما معلنا، وزعمت أن أسلحتها الصاروخية والطائرات المسيرة ستكون حاضرة في معركة التنظيمين وذلك على لسان القياديين في المليشيات محمد علي البخيتي (إخواني سابق) وحسين العزي.
ويرى سياسيون وباحثون يمنيون أن فشل مخطط الإخوان عبر فرض سياسة الأمر الواقع في عتق؛ عاصمة محافظة شبوة، أدخل التنظيم وأتباعه في حالة تخبط، هي الأشد، ولم يسلم من حملاتهم حتى مجلس القيادة الرئاسي المنضوية تحت مظلته وكذا التحالف العربي.
ولم يخف رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي معارضته تلك الإساءات لدول التحالف العربي، مؤكدا في آخر خطاباته المرئية أنه لن يسمح بالنيل من تضحيات السعودية والإمارات، الداعمتان للشرعية في كل المجالات إلى جانب وقوفهما الصلب والحازم بجانب اليمن.
تبادل أدوار
القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي في شبوة، سيلان حنش الباراسي، يرى أن المتابع للأحداث في اليمن يلاحظ أن هناك تخادما وشراكة حوثية إخوانية، للعب أدوار متبادلة في مراحل مختلفة بما يخدم بقاء التنظيمين.
ويعتقد السياسي الجنوبي في تصريح لـ”العين الإخبارية”، أن تمرد الإخوان في شبوة مؤخرا لم يأتِ من فراغ أو صدفة، وإنما كان مخططا له من فترة طويلة لإشعال الفتنة بين أبناء شبوة خاصة والجنوب المحرر عامة.
هذا التمرد -يقول السياسي الجنوبي- جاء لإشغال المجلس الرئاسي عن القيام بدوره في توحيد الصف الوطني، لمحاربة الانقلاب الحوثي، والمشروع الإيراني، وفتح جبهة تعرقل تحسين الوضع الاقتصادي، وتقديم الخدمات للناس التي تعيش ظروف صعبة، إثر حرب الحوثي وإشعال الإخوان للمناطق المحررة.
وأضاف القيادي الذي يتولى منصب نائب رئيس الانتقالي في مديرية عتق؛ عاصمة شبوة، أن التمرد الأخير كشف حقيقة نوايا تنظيم الإخوان المبيتة؛ إذ أنه ليس مجرد تغير لذراع أمني، لكنه مخطط كبير للانقلاب على السلطة الشرعية في المحافظة، وعلى شراكة المجلس الرئاسي.
ويسعى الإخوان إلى فرض أمر واقع من خلال الانقلاب، وذلك تمهيدا للتمدد والسيطرة على عدة محافظات جنوبية، بما في ذلك محاصرة عدن؛ وهو توجه برعاية ودعم دول كبيرة إقليمية معروفة بدعمها للتنظيم الإرهابي في مراحل سابقة، وفق الباراسي.
إجهاض الحلم الإخواني
وهنا يشير الباراسي إلى نباهة القيادة في سلطة شبوة، التي أجهضت أحلام الاخوان ومخططاتهم الإجرامية في مهدها وكان ذلك بفعل الالتفاف الرسمي والشعبي والعسكري خلف المحافظ عوض بن الوزير العولقي؛ مما ساعد في القضاء على هذا الانقلاب المتكامل الأركان.
ويعود السياسي الشبواني إلى ما أسماه وقائع التحالف الإخواني الحوثي ومستويات التنسيق العالية، وذلك بعد أسر عناصر إيدلوجية حوثية تقاتل في صفوف الإخوان وتحريز شعارات حوثية ضبطت في معسكرات ومقار الإخوان بعد دحرهم من مدينة عتق.
مشيدا في هذا الصدد بدور قوات العمالقة ودفاع شبوة بدعم من التحالف في إجهاض مخطط ضد الجنوب، وتهديد أمن واستقرار المنطقة.
من جهته، يصف متحدث محور الضالع العسكري فؤاد جباري تمرد الإخوان في شبوة، برقصة الديك المذبوح، قبل طي الصفحة السياسية للتنظيم الإرهابي.
ولفت المتحدث العسكري أن التمرد على الدولة والتعدي على المؤسسات والمقار الحكومية الخدمية “أظهرت حقيقة الثقافة والتوجه المدمر لهذا التنظيم الإرهابي: إما أن يكون في سدة الحكم أو أنه سيلعب دور المعرقل والمخرب”.
تخبط وبث سموم
استغلت آلة الدعاية الإخوانية وكتائب التنظيم الإلكترونية تمرد قيادته في شبوة في تكثيف خطاب الكراهية والتحريض لكل من يخالفهم الرأي وبث سموم الفرقة مرة أخرى وبصورة بشعة، وصلت حد محاولة إسكات صحفيين وسياسيين ونشطاء معارضين، بالقذف والألفاظ المخلة غير المعهودة في المجتمع اليمني المحافظ.
ليس هذا فحسب -يقول مراقبون- وإنما تجاوز إلى إطلاق نشطاء الإخوان دعوات إلى توحيد الصفوف مع مليشيات الحوثي، ضد التحالف العربي والمجلس الرئاسي، في أبلغ تأكيد على قوة العلاقة الإخوانية – الحوثية.
ولم يستغرب إعلاميون يمنيون من تبدل مواقف الإخوان، وفقا لمصالح، وبقاء التنظيم في سدة الحكم، مشيرين إلى أن التشبث الإخواني بغطاء “السيادة”، فيما حقيقة الوضع الرغبة في “إبقاء مصالحه دون تغيير”.
ويرى الناشط السياسي والإعلامي اليمني هائل الشارحي، أن الإخوان عندما يفقدون مصالحهم فإنهم سريعا ما يدعون إلى تغيير مواقفهم السابقة، ليرتموا في أحضان من كنا نتوقع أنه عدو لهم في الواقع، ليظهر التحالف السري للعلن.
ويؤكد الإعلامي اليمني لـ “العين الإخبارية” أن تبديل المواقف بالنسبة لحزب “الإصلاح” الإخواني أمر درجت عليه العادة كلما تعرضوا لهزة شعبية؛ والتاريخ شاهد على ذلك؛ وليس ببعيد انقلابهم على الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، رغم إشراكهم في الحكم طيلة 33 عاما من حكمه.
مزايدات الوحدة
كما أشار الشارحي إلى الهزة العنيفة التي تلقاها الإخوان بعد الانتكاسة العسكرية والأمنية في شبوة، بعدما تمكنت قوات العمالقة وقوات دفاع شبوة من كنس مخططاتهم الإجرامية، ليردوا بكيل الشتائم لكل من عارض مواقفهم، بما في ذلك مجلس القيادة الرئاسي.
وهذا ما أتى عليه رئيس مركز جهود للدراسات في اليمن عبدالستار الشميري، الذي تساءل عن السبب الذي يدعو حزب “الإصلاح” إلى مهاجمة المجلس الرئاسي، رغم أنه مشارك فيه ويعمل تحت مظلته.
ويجيب على تساؤلاته في حديث لـ”العين الإخبارية”، بالقول إن ذلك يعود إلى تبدل المواقف لدى عناصر الإخوان المسلمين، بعد كل ضربة يتعرضون لها، لافتا إلى أن حزب الإصلاح يحاول إيجاد نهج يتناسب مع مصالحه المفقودة من أجل تأليب الرأي المحلي وشيطنة كل من يعارض طريق مصالحهم.
والأدهى من ذلك بحسب الباحث السياسي اليمني أن الإخوان حاولوا إبراز علاقتهم مع الحوثي وتنسيقهم المتواصل إلى الواجهة من خلال الدعوات المبطنة بالتنسيق والتحالف مع “القوى الوطنية الشريفة”، لإجهاض كل المخططات.
ويتساءل “هل مليشيات الحوثي قوات وطنية شريفة، وهل يعد إحباط مؤامرة الإخوان جريمة؟”، مؤكدا أن حزب الإصلاح متخبط ويسعى “للتحالف مع الشيطان” من أجل إبقاء مصالحه دون تغيير.
من جهته، أشار القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام مهيوب الحبشي إلى مزايدة الإخوان باسم “الوحدة”، لافتا إلى عدم إمكانية القفز على الواقع، ولا زالت العاصمة صنعاء مختطفة من قبل مليشيات الحوثي.
وتحدث القيادي اليمني أن “الوحدة التي ستفرض بالقوة سترفض من أبناء الجنوب بالقوة.. هذا المنطق والواقع”، مخاطبا الإخوان بضرورة التجرد من العاطفة والتعامل مع معطيات واقع استجد منذ العام 2011، حيث ساهم التنظيم بنسبة 90 بالمائة في تشكل هذا الوضع القائم.
وطالب الحبشي الإخوان بأن يعلموا المحسوبين عليهم “احترام المؤسسية واحترام القرارات”، قائلا إن “الوظيفة ليست إرثا خاصا”، مستشهدا بوقائع تمرد قيادات إخوانية عديدة وعدم احترامها الدولة عندما تكون القرارات لا تخدم التنظيم، وذلك ليس في شبوة وإنما في تعز وغيرها، وامتد من السلك التربوي إلى العسكري والاقتصادي وغيره.
وكانت حملة إعلامية انطلقت قبل يومين على نطاق واسع تحت وسم “حرب الإخوان على الشرعية”، حيث استهدف ناشطون يمنيون تعرية ابتزاز الإخوان لمجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي، وتقاربهم مع مليشيات الحوثي عبر تسليم المناطق المحررة وإشعال نار الفتنة البينية.
ومنذ 8 أغسطس/آب الجاري، قاد الإخوان وقياداتهم في محور عتق، والقوات الخاصة والنجدة في شبوة، تمردا على الشرعية، وذلك بعد إقالة قائد القوات الخاصة عبدربه لعكب، لضلوعه في قضايا اقتتال وإثارة فوضى داخل المحافظة التي توجد مليشيات الحوثي على حدودها الإدارية.
وعلى وقع هذه الفتنة، اتخذ المجلس الرئاسي إجراءات حاسمة، في مقدمتها إقالة القيادات الإخوانية المتمردة، وتعيين 3 قيادات عسكرية وأمنية بدلا عنها في محور عتق والقوات الخاصة وشرطة شبوة.
وذلك قبل أن يعلن محافظ شبوة، عوض العولقي، الأربعاء الماضي، انطلاق عملية عسكرية لإنهاء التمرد، ليتم فرض الأمن والاستقرار في مدينة عتق، وينجح في إفشال مخطط انقلاب إخوان اليمن.