نداء حضرموت-خاص
في 30 مايو الماضي، أعلن المجلس الرئاسي في اليمن تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية العليا [لجنة إعادة هيكلة الجيش والأمن] برئاسة وزير الدفاع الأسبق اللواء الركن هيثم قاسم طاهر، وعضوية 59 ضابطاً.
جاء تشكيل اللجنة تطبيقاً للمادة 5 من إعلان نقل السلطة إلى المجلس الرئاسي الذي أعلنه الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي. وتنص المادة على “تشكيل لجنة أمنية وعسكرية مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها منع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء البلاد، وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون”.
وفي 25 يونيو، دشَّن عضو المجلس الرئاسي اللواء عيدروس الزبيدي عمل اللجنة العسكرية. واستعرض رئيس اللجنة، اللواء هيثم قاسم طاهر، أسماء أعضاء اللجان والفرق المتخصصة في المجالات العسكرية، معلناً عن لجنة تحضيرية “ستتولى مهمة تحديد مهام وبرامج وخطط اللجان والفرق المتخصصة، وستعمل على توفير المعلومات والوثائق المطلوبة لبدء عملها على الأرض”.
ووفقاً لمصادر في اللجنة العسكرية لـ “سوث24″، فإنَّ اللجنة “بدأت بالفعل بإعداد الوثائق الأساسية لاتجاهات عملها، حيث سُترفع إلى المجلس الرئاسي بعد استكمالها للاطلاع والمصادقة عليها”.
أولويات اللجنة
وفقاً للمصادر، فإن أولويات اللجنة العسكرية تتمثَّل في “إعادة تموضع القوات في محاور وقطاعات عسكرية قتالية ونسقات جبهوية قتالية؛ بالإضافة إلى تنظيم وتنسيق التعاون بين المناطق والوحدات والمحاور والقطاعات”.
وأضافت المصادر أن اللجنة “حتَّى اليوم لم تستلم توجيهات وقائمة بالأولويات لمهامها المستقبلية؛ لكنَّ ستكون هناك أولويات وخطة عامة للعمل عليها”.
وحول هذا، قال مستشار الشؤون العسكرية في سوث24، العميد ركن ثابت حسين صالح: “عنوان المرحلة الانتقالية الجديدة التي بدأت بعد نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي هو استتباب واستقرار الأوضاع في المناطق المحررة والاستعداد للتعامل مع الحوثيين سياسيا أو عسكريا”.
وأضاف الخبير: “انطلاقا من ذلك يمكن قراءة أولويات اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة”.
وتابع: “إذا أخذنا المهمة الأولى المتصلة باستقرار الأوضاع في الجنوب، فإنَّ الأمر يقتضي التعامل مع مصادر التحديات والتهديدات الداخلية المتمثلة بالجماعات (الإرهابية)، واختبار موقف المنطقة العسكرية الأولى من جماعة الحوثي والإصلاح وحتَّى جماعات القاعدة”.
وعقَّب، “وكذلك الحال بالنسبة للبؤر التي تهدد استقرارا أبين وعدن انطلاقا من شقرة ومحور تعز”. وأضاف: “من الأولويات الملحة أيضاً هيكلة وزارتي الدفاع والداخلية وجهازي الأمن القومي والأمن السياسي اللذين ينطبق عليهما وضع المنطقة العسكرية الأولى”.
وتابع، “كما يجب تجفيف منابع ومصادر الفساد المالي والإداري والتموين في الجيش والأمن وفرض سيادة القانون في الترقيات والتعيينات اعتمادا على مبادئ النزاهة والكفاءة والخبرة”.
وأشار الخبير إلى ضرورة “إعادة النظر في الخطط الاستراتيجية والعملياتية والقيادات في كل الجبهات والمحاور بما يضمن الاستعداد لمواجهة مرحلة ما بعد الهدنة لتحرير محافظات الشمال”. وأضاف: “على أن الجهد الرئيسي في المقدمة مسنود إلى أبناء الشمال في الجيش والمقاومة”.
بالنسبة للخبير العسكري العقيد وضاح العوبلي، فإنَّ مهام اللجنة العسكرية “تتمثَّل في إيجاد صيغة مخرجات ومقررات توافقية تتعلَّق بهيكلة القوات العسكرية والأمنية بما يؤدَّي إلى ترتيب القوات وتعزيز وضع جبهات المواجهة العسكرية مع جماعة الحوثيين”.
وأضاف لـ “سوث24”: “لا بد أنَّ اللجنة ستعتمد على مرجعيات أساسية، وأهمها البنود والالتزامات المُحددة في الشق العسكري والمُقرة في وثيقة اتفاق الرياض [2019]، الذي بموجبه تم تشكيل حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال؛ وكذلك على ما يتعلق بالشأن العسكري والأمني في وثائق مخرجات مشاورات الرياض الأخيرة بين مختلف القوى والتي تشكل بموجبها مجلس القيادة الرئاسي”.
وتابع، “كل هذه المرجعيات أكدَّت بشكل مباشر أو غير مباشر على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها حشد القدرات العسكرية إلى جبهات المواجهة مع الحوثي”.
المنطقة العسكرية الأولى
تصدَّر إخراج المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن، مطالب أبناء المحافظة والجنوبيين على مدى الأعوام السابقة. تواجه المنطقة تهما عديدة بدعم وإيواء عناصر التنظيمات المتشددة كالقاعدة، وحماية نافذي النفط، علاوة على أنَّ معظم جنودها من محافظات في شمال اليمن يسيطر عليها الحوثيون.
ومع تشكيل اللجنة العسكرية وتدشين عملها رسمياً من عدن، برزت التساؤلات حول ما إذا كان إخراج قوات هذه المنطقة التي لم تشترك في أي قتال منذ ما قبل 2015، والدفع بها نحو الجبهات مع الحوثيين في شمال اليمن، من ضمن أولويات اللجنة.
وحول هذا، قال الخبير العوبلي: “بالنسبة للمنطقة العسكرية الأولى فاعتقد أنَّها ليست استثناء. هي قوات عسكرية ذات طابع نظامي وتتبع وزارة الدفاع وينطبق عليها ما ينطبق على كل الوحدات والتشكيلات العسكرية التي تلزمها جميع المرجعيات بضرورة الانتقال والتمركز في جبهات المواجهة العسكرية”.
وأضاف: “ناهيك عن أن المنطق بذاته يلزم اللجنة العسكرية بإقرار هذه الخطوة بشأن كافة القوات العسكرية ومن ضمنها المنطقة العسكرية الأولى”.
“قوات المنطقة العسكرية الأولى في قائمة أولويات مصفوفة اللجنة العسكرية العليا”، قال الخبير والمحلل العسكري العميد محمد جواس العدني.
وأضاف جواس لـ “سوث24”: “المنطقة الأولى ستكون ضمن الهيكلة والترتيب لاسيما أنَّها جاءت في الموجهات والمرجعيات السياسية لعمل اللجنة وأقصد هنا مخرجات اتفاق الرياض ومخرجات مشاورات الرياض”.
ويرى الخبير الاستراتيجي عبد الملك اليوسفي أنَّ “قوات المنطقة العسكرية الأولى أصبحت بؤرة صراع وخلاف”.
وأضاف اليوسفي لـ “سوث24”: “لا بد من القفز على تلك القوة إذ ليس من المنطق ان يكون شخص عسكري من مناطق محتلة من جماعة الحوثي يؤدي الخدمة العسكرية في حضرموت. هذا لا يمت للمنطق بصلة. من مهام اللجنة أن تعيد تمركز الجغرافي لهذه القوة واختبار ولائها الوطني”.
ولفت إلى أنَّ “اختبار ولاء المنطقة الأولى سيتحدد إذا تحركت هذه القوات من النطاق الجغرافي الحالي وانضبطت للأوامر العسكرية. في حال رفضها، لا بد من التحرك الاستباقي لحل هذه المشكلة”.
التحديات
وحول التحديات التي تقف أمام اللجنة العسكرية، قال العوبلي: “مهام اللجنة العسكرية هي إيجاد وثيقة مخرجات ومقررات فقط، فيما تبقى مهام التنفيذ وإصدار القرارات على عاتق مجلس القيادة الرئاسي”.
وأضاف العوبلي: “في حال تمرد أي وحدة أو قوة عسكرية أو امتناعها أو رفض قيادتها تنفيذ قرار المجلس الرئاسي الصادر بحقها، فإن هناك قانون نافذ ولائحة عسكرية ملزمة تتيح للمجلس الرئاسي والقوى المندرجة تحت تشكيلته الكثير من الصلاحيات التي تمكنهم من اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد أي متمرد”.
وتابع: “لا أعتقد أن وثيقة مخرجات اللجنة العسكرية ستغفل إيضاح الخطوات والصلاحيات التي يجوز للمجلس الرئاسي التعامل بها في مثل هكذا تعنت، خصوصاً في مثل هذا الظرف الاستثنائي الذي يتطلب ضرورة إيجاد آلية خاصة لضمانات التنفيذ”.
وتوقع الخبير ثابت صالح أنَّ اللجنة “ستواجه تحديات كبيرة من ضمنها قدرتها على فرض قراراتها على كل التشكيلات العسكرية والأمنية المنضوية تحت لواء مقاومة الحوثيين”.
وأضاف: “على مجلس القيادة الرئاسي أن يلقي بثقله الكامل إلى جانب اللجنة العسكرية والأمنية وكذلك القوات العسكرية والأمنية المعول عليها والتي أثبتت خلال المرحلة الماضية إخلاصها في مقاومة الحوثيين”.
“التحديات التي تواجهه اللجنة العسكرية سياسية أكثر من كونها عسكرية ميدانية”، قال الخبير اليوسفي. وأضاف: “تتمثل هذه التحديات في الجماعات السياسية المؤدلجة وانتشارها. لقد باتت هذه الجماعات تشكل تهديدا للاستقرار”.
وشدَّد اليوسفي على وجود “قوة عسكرية ضاغطة منظمة قادرة على فرض أركان الاستقرار”.
وعن هذا، قال إياد الشعيبي، رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات، “بشكل أساسي، يمكن القول إنَّ من أبرز التحديات الماثلة أمام اللجنة العسكرية هي طبيعة القضايا السياسية والوطنية التي تؤمن بها كل قوة من القوات التي يراد هيكلتها، وعلى رأسها القوات الجنوبية الخاضعة للمجلس الانتقالي التي تؤمن بمبدأ استعادة دولة الجنوب”.
وأضاف الشعيبي: “أزمة الثقة بين هذه القوى والأطراف، الجنوبية والشمالية، تمثل تحدياً كبيراً أيضاً إذا ما أخذنا بالاعتبار ما حدث بعد الوحدة اليمنية في 1990 عندما انتشرت ألوية جيش اليمن الجنوبي في عمق الشمال ثم تم الانقضاض عليها في 1994 وإعلان الحرب”.