اراء وكتاب

رسالة إلى محافظ عدن

بقلم /اسمهان العلس

الأخ: أحمد حامد لملس محافظ محافظة عدن.. المحترم
نهديكم فائق التحية وموفور الاحترام والتقدير ، داعين لكم أن ينعم الله عليكم بموفور الصحة ودوام التوفيق في مهامكم الجسيمة. 

نعلم تماما أنه لا يخفى عليكم ولا علينا ولا على كل أبناء عدن بل وغيرنا من زوار هذه المدينة من العرب والأجانب  أنكم ترأسون إدارة محافظة عدن بكل أبعادها التاريخية ، وعمقها الآثاري وموروثها الريادي الخدمي والثقافي والاجتماعي  ، وشموخها الاستراتيجي وتعدد سماتها البيئية ، وتنوع خصائصها الجيولوجية ، وغنى سواحلها وتميز خلجانها . وهي شواهد محيطة بنا وبكم حيثما اتجهنا بل وتتجهون في صيرورة حركتكم اليومية  ، وكأن هذه المدينة تذكّركم وتذكرنا بثقل المسئولية التي ننحملها تجاهها .

والحديث هنا لا يشمل جزءا من محافظة عدن ، أو معلما دون آخر أو موقعا بعينه ، لكنني أكتب لكم عن تاريخ محافظة عدن بقسميها- 1- عدن القديمة – مديرية صيره -2- المديريات الأخرى – على تتابع نشأتها: الشيخ عثمان- التواهي –المعلا – خورمكسر والبريقة ، وهي مدن تاريخية بسبب أقدمية تأسيسها، وفقا لتصنيف اليونسكو . لكنها جميعها تعيش  انتهاكا ، وعبثا بالطبيعة الجيولوجية ، واعتداء على البيئة ، وانتهاكا لحرمة البحار وشموخ الجبال ، وتشويه للهوية الثقافية لهذه المدن ، حتى بدت أمام الأنظار أسواقا كبيرة متشابة في الطابع متداخلة مع الماكن مع تغير مخيف في نمط البناء وخصوصية الحياة  . فقد تغيرت إلى واقع مستهجن من العبث التغير ف النمط المعماري والهوية الثقافية ، حتى غدت حضور غريب  أمام أعين أبنائها  وقبور تنبش دون حرمة ولا وازع ، وبيوث ترتفع على رؤوس جبال بركانية هي ألأقوى على مستوى العالم.

أحدثك هنا في هذه السطور عن مدينة هي الأقدم ، استودعها الله سبحانه وتعالى  سره  ، ووضعها في فوهة بركان خامد ، فكانت ” مبتدأ الدنيا ومنتهاها ، ومنها يخرج المحشر يوم القيامة  ” أحدثك عن عدن القديمة أصل عدن وتاريخها وميراثها من الآثار والنفائس ، حتى تبدو أمام الأعين المحبة المتذوقة متحفا متعدد النفائس غني في مكوناته ما بين هبة الله الجيولوجية وغني عطاءاته  البيئية وفنون  الإنسان الهندسية في الصهاريج والتراث المعماري ومعابده ومساجده وكنائسه وتلاحم كل الأعراق والأجناس العالمية على ظهر هذه المدينة ، بل وميراث من الآثار مازالت تكتنزها هذه الأرض . ولعل ما حدث ويحدث من حفريات في جبال هذه المدينة قد وصل مسامعه إليكم . ولعلكم تعرفون أن معطيات هذه المدينة مازالت تخدم المدينة  في صور متعددة ، لعل أعظمها هبة الإنسان لنا اليوم نعمة بناء الصهاريج لتحفظ مياه الأمطار فيها قيعانها وتحمي المدينة وأهلها من غرق وموت محدق بها ، ناهيك عن دوائر وبنوك وأسواق  من ميراث إداري سابق مازالت  تخدم البلاد.
هذه المدينة التي أحدثك عنها تحتكم إلى ضوابط وقوانين صدرت لتنظيم إدارتها باعتبارها مالكة  لهذا الآرث الآثاري والتاريخي والموروث الريادي الخدمي والثقافي . يأتي في أول هذه القوانين :-
1- قانون السلطة المحلية التي يوكل إليكم مهام محددة كمحافظ.
2- تحتكم المدينة إلى ” قانون المدن التاريخية واللائحة المنظمة لإدارتها”.
3- قانون الآثار الذي يوكل للهيئة العامة للآثار والمتاحف مهامه في إدارة المدينة القديمة.
علما بأنه يجب أن تكون هناك آلية تنسيق بين هذه الثلاث الجهات والدوائر الحكومية التي تستثمر المباني الحكومية القديمة للأعمال الحكومية – المستشفيات – المدارس الكنائس – المساجد والمعابد.

في مختتم خطابي إليكم لا أخفيكم  علما أن العبث العام منذ 2015 وحتى اليوم والذي لم يحدث مثيله في التاريخ المعاصر قد شمل كل قلعة صيره والصهاريج  والمدارس والموروث المعماري وأعمال الهدم وإعادة البناء كل منعطف وزغطوط ، ومنزل وجبل ورصيف ، ومعبد وكنيسة ومسجد في عدن القديمة  والحفر في جبال عدن وعلى سفوح مجمع جبل حديد والمساحة الداخلية والسور التركي الخخخخخ  ومقابر كل الأعراق المستوطنة عدن، كما سادت سلوكيات البيع والشراء والهدم وإعادة البناء وتغيير المهن في داخل هذه المدينة العريقة مما أعطى مخرجات عكسية تتحمل السلطات مسئولياتها أمام الله والتاريخ والعباد ، فقد أضاعت هذه السلوكيات الفرصة لتسجيل عدن القديمة في قائمة التراث العالمي ، وعدم وجود مرصد وطني لعدن ، بل ستضيع غدا على البلاد فرص الاستثمار للمصادر التنموية الثقافية لهذه المدينة ، بل هل تعلمون أن قلاعا قديمة هي جزء من التحصينات العسكرية لمدينة عدن القديمة  في مواجهة للبنك الأهلي – شارع أروى – قد تحولت فيللا سكنية وهو سلوك لم يحدث في كل تاريخ مدينة عدن .

أعذروني.. ولكن تقبل صراحتي بل وقسوتي حيثما وجدت ،لأنه  واجبي الذي عودّت صوتي  على إيصاله لكل من يجلس على كرسي الإدارة في عدن حيثما يوجد الضرر بالموروث الثقافي لعدن ، فما بالكم والحال قد وصل إلى ما نحن عليه .
ودمتم بخير.

إلى الأعلى