اراء وكتاب

حضرموت تبدع في مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي

كتب: عدنان باسويد

في مجال الرقص الشعبي لا يكتفي مُصمّم الرقصات والمؤدي لها أن يُحاكي الراقص في أدائه بمهارة بدنية متميزة، بل عليه أن يتبناها في سياق فني حديث للجُمَل والحركات الراقصة في وحدة تكاملية متناغمة مع الإيقاعات، وتكون الحركات الشعبية الأصلية هي وحدة من وحدات العمل ككل، ليخرج من إطار التكرار إلى مجال التعدد والتنوع.

فالرقصة يمكن أن تكون فَناً طقسياً، أو إستجمامياً، يذهب إلى ما بعد الأغراض الوظيفية للحركات التي استعملت في العمل، كما أنها تُظهر؛ العواطف، الحالة المزاجية، أو أفكار، أو حالة إقتصادية أو سياسية أو دينية أو إجتماعية.

ففي حضرموت الفكر والثقافة، يعتبر الرقص الشعبي جزء لا يتجزأ من البيئة الشعبية ولا يمكن إستئصاله منها، بل يدخل ضمن ثقافاتها، ويتوارث من جيل إلى جيل.
ومن هنا نغتنم الفرصة للخوض في غِمار ذلك الفن الرائع والممتع، ونجعل من مدينة الشحر إنموذجاً، كونها عاصمة حضرموت للتراث الفني، التي صنعت أعظم عباقرة الفن الحضرمي الأصيل في شتّى مجالاته، ونخص بالذكر جانب الرقصات وتصميمها، حيث أنجبت المدينة من رحم معاناتها أساتذة كبار، نذكر هنا البعض لا الحصر.. كون القائمة طويلة؛ فهناك علي سعيد علي وعبدالله بن طرش، مازالت بصماتهم يتداولها الأجيال ويمشون على نهجها إلى يومنا الحاضر.

في خِضَم ذلك الإبداع، نتّجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث مهرجان الشيخ زايد الثقافي العالمي، الذي تستضيفه العاصمة أبوظبي من كل عام، وفيه يشارك مُبدعو مدينة الشحر؛ معتز بن بريك وعلي الشرفي ومحمد عبده وأحمد باحبارة وسالم زحفان ومحمد دعكيك ونور الدين عباد، في تقديم أروع اللوحات الفنية الراقصة، على مسرح المهرجان، لِيُبهِروا الزوّار بِنغم حضرمي تراثي أصيل لم تُدنّسه عوامل التعرية، تنوّعت ما بين رقصة العِدّة الشهيرة ذات الطابع الحربي التي تشتهر بها حضرموت وما بين رقصَتَي الشرح والهبيش الساحلي، فحتى الزربادي والشحري والغيّة والبحري تم عرضهم كذلك، ولم تقتصر على تلك الرقصات فقط.. بل دوعن ونواحيها كانت حاضرة أيضاً، من خلال رقصَتَي الدحيفة والظاهري حين قدّمها هؤلاء المبدعين، ففيها تعبير روحاني عن العلاقة الإنسانية بين الفرد ومجتمعه والوجود. أما الدان الحضرمي كانَ سَيّد المشهد دون منافس.

لقد أشعَلَ شباب سُعاد خشبة المسرح دون كَلَل، ليمثلوا حضرموت أفضَلَ تمثيل، وأسمعوا من بهِ صَمَمُ، مُرسلينَ دروساً للعالم بتناغمهم الإيقاعي مع موسيقاهم وتراثهم العتيق، بأسلوب متناهي الدقة في الحركة والتنقل، بينما الإبتسامة لا تفارق مُحياهم، رَسَمَوا في أعيُن الناظرين الفرحة وضجّ الحضور بالتصفيق لتلك اللوحات الحضرمية الأصيلة التي نالت إعجابهم، منبهرين بإحترافية هؤلاء الرائعين.

إلى الأعلى