بقلم/د. أسمهان العلس
في زمن تتجاذبه الأطروحات القانونية الداعية لاحترام الحقوق الإنسانية للمرأة، وتتزايد أعداد المنظمات الداعية المؤكدة لها، وتتلاحق عدد القوانين الدولية المؤسسة لذلك الحق، ويتسارع العالم نحو تعزيز دور المرأة في كل المجالات، فإن اليمن – منذ انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة في عام 1995 في بيجين – الصين- ما زالت ترفع الدعوة حتى اليوم إلى تثبيت حق المرأة في التمكين في مراكز القرار العام بنسبة 30 %، في عصر تسارعت فيه خطى بعض البلدان العربية والأسيوية والأفريقية المشاركة في المؤتمر من أجل تطبيق إعلان ومنهج، بل تجاوزت اليمن في تأكيد ذلك الحق بدرجات كبيرة. كما أن دولا عربية قد دخلت ميدان التمكين العام للمرأة ولم يكن البناء السياسي والفكري لبلدانها يمكّنها من ذلك النهج.
لقد رسمت مخرجات مؤتمر بيجين للدول المشاركة فيه رؤية ومنهج عمل متلاحق من أجل المساعدة في بناء استراتيجيات وطنية في مدى زمني محدد، ومن خلال أطر حكومية ومدنية متخصصة لإنجاز أهداف ذلك المؤتمر، فقد صدر عن المؤتمر إعلان ومنهج العمل الصادر عن المؤتمر، وشكلت ما يشبه التوصيات للحكومات المشاركة والمنظمات على كافة الأصعدة لضمان مستوى الأداء الحكومي للدول المشاركة في هذا المؤتمر. وحدد منهاج العمل ” 12″ مجالا يستهدف التعجيل بإزالة العوائق المعرقلة لمشاركة النساء، وإقرار مبدأ تقاسم السلطة والمسؤولية بين الرجل والمرأة بصورته الأشمل، باعتبارها مطلبًا أساسيا لتحقيق المساواة والتنمية والسلم.
وعلى الجانب الآخر، وفي تزامن داعم فإن الجمهورية اليمنية عند تأسيسها في عام 1990 استقامت على سياسة التعددية الحزبية في سعي حثيث منها لتأسيس نهج ديموقراطي واسع، وتعززت لذلك بصدور قانون التعددية الحزبية رقم 66 في عام 1991، وذلك لتنظيم العمل السياسي الحزبي للمواطنين من الجنسين على قاعدة “الحق الدستوري بالوسائل السياسية والديموقراطية والتداول السلمي للسلطة والمشاركة فيها.
وأعقب تأسيس الدولة اليمنية انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة في عام 1995 في بيجين – الصين، وشاركت الجمهورية اليمنية بوفد نسائي يمني في ذلك المؤتمر العالمي للمرأة المنعقد في بيجين- الصين المشار إليه فما سبق، مما يعطي اليمن ميدانا واسعا لتأكيد التزامها وتطبيقها لمخرجات ذلك المؤتمر، على الرغم مما رصدته من أديبات اللجنة الوطنية، لكن واقع الحال على الأرض يشير إلى أن اليمن، مقارنة بالدول المشاركة الأخرى، ما زالت ترفع منذ ما بعد المؤتمر الدعوة إلى النسبة ذاتها لتمثيل المرأة، وأن النساء اليمنيات مازلن يعاصرن حدثين مؤثرين سلبًا، يتمثل الأول في، فصل قطاع المرأة في الأحزاب اليمنية عن قطاع الرجال على الرغم من التداعيات الكبيرة السلبية للمشاركة النسائية الحزبية وتراجع قابلية النساء للعمل الحزبي وتقليص مستوى العمل المشترك للجنسين والتبادل المعرفي ، فيما يتمثل الثاني في استبعاد النساء من التشكيلة الحكومية الراهنة، في وقت يتعاظم فيه دور المرأة منذ 2015 في ميدان الحرب وما أتصل به من أنشطة، بل أن مضمون مهام المرحلة الانتقالية القادمة التي ستعقب الاتفاق السياسية تستقيم على تأكيد مشاركة النساء في مختلف مهامها الرسمية والمدنية.
أين يكمن الخلل في التطبيق؟ هذا هو جوهر التفكير، أم الإجراءات المتخذة لم تستهدف تغيير العقلية المجتمعية وتدعيم الخطط بمسارات تربوية وإعلامية وثقافية تؤتي ثمارها بعيدة المدى.
مازال أمام النساء متسع لتصدر المشهد لتعزيز المشاركة المتساوية بين الجنسين، ولا يتطلب إلا وضوحا في الرؤية وتحديد الهدف، وليكن سعي النساء كما في قوله تعالى: “ربِّ ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق”.