بقلم/نصر هرهرة
فشل مشروع الوحدة الذي أعلن عنه بين (ج ي د ش) و(ج ع ي) في 22 مايو 90م على أن يتحقق خلال مرحلة انتقالية، ولكنه تعثر وفشل وشنت حرب صيف 1994م ضد الجنوب وتم ضمه وإلحاقه بالقوة وعاني خلال فترة الاحتلال الكثير، لكنه لم يستكن بل ناضل ضد ذلك الاحتلال وقدم الكثير من التضحيات وكاد الاحتلال يسقط تحت ضغط الحراك السلمي الجنوبي.
تم غزو الجنوب مرة أخرى في 2015م وتصدى شعب الجنوب من خلال المقاومة المسلحة البطلة بدعم من دول التحالف العربي للغزو حتى حرر أرضه من الاحتلال القديم والجديد ودخل مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في اتفاق سمي اتفاق الرياض ينظم العلاقة بينهما في مرحلة ما قبل العملية السياسية، بهدف توحيد الجهود لمحاربة الحوثي والتهديدات للمنطقة وتوفير الخدمات والتهيئة للعملية السياسية التي سترعاها الأمم المتحدة وسيتقدم فيها الجنوبيون باستعادة دولتهم من خلال التفاوض الثنائي بين الجنوب العربي (ج ي د ش) الذي يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، واليمن (ج ع ي) الذي تمثله الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ويمكن أن يفضي إلى فك الارتباط مباشرة أو الاتفاق على مرحلة انتقالية مزمنة وفيها إقليمان وحكم ذاتي للجنوب العربي (ج ي د ش) وحكم ذاتي لليمن (ج ع ي) تنتهي بفك الارتباط أو استفتاء الجنوبيين لفك الارتباط، وفي حال تعنت القوى المعادية للجنوب وعرقلة استعادة دولته يمكن للجنوبيين فرض أمر واقع وإعلان الاستقلال من طرف واحد، وهذا أمر ينبغي أن يعد له من الآن كخيار أخير.
إن هناك مراحل لا بد من إنجاز مهامها وهي:
1 – مرحلة ما قبل توقف الحرب.
2 – مفاوضات السلام لوقف الحرب.
3 – استكمال عملية الانتقال السياسي تماشيا مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
4 – العملية السياسية وتحقيق تطلعات مختلف الأطراف.
هذا الترتيب مأخوذ بعضه من قرار مجلس الأمن 2624 وخاصة (3,4)
المهام والمتطلبات التي ينبغي على الجنوبيين إنجازها في كل مرحلة:
1 – المرحلة الحالية مرحلة ما قبل وقف الحرب وهذه المرحلة لها خصوصياتها وتعقيداتها، فالجنوبيون ليسوا لوحدهم في الساحة، لكن هناك عدة قوى هي:
1 – التحالف العربي.
2 – الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
3 – المكونات والشخصيات الوطنية الجنوبية.
1 – العلاقة مع التحالف العربي.
وهذه العلاقة تكونت في جبهات القتال بحيث لعب التحالف العربي الدور الرئيس والهام في تمويل بناء القوات المسلحة الجنوبية والأمن ودعمها في جبهات القتال وعدا العلاقة ننظر لها بأنها علاقة استراتيجية، ورغم أنه لا يوجد شيء مكتوب ينظمها وينظم سير حركتها، لكن القواسم المشتركة قد فرضت نفسها بحيث تجسدت تلك العلاقة في:
محاربة الحوثي ومحاربة الإرهاب، والدفاع عن هوية المنطقة العربية والإسلامية.
حماية الملاحة الدولية وحماية الممرات المائية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وعلى طول ساحل البحر العربي، أما على صعيد رؤية المستقبل فإن التحالف يرى أنه تدخل في اليمن لإنهاء الانقلاب الحوثي ولإعادة الشرعية ولم يتدخل لمنح الجنوب العربي استقلاله، ويرى الجنوبيون من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي أنهم قاتلوا وما زالوا يقاتلون تحت العلم الجنوبي بهدف واضح من اللحظة الأولى، وأنهم ماضون لاستعادة دولتهم على حدود ما قبل 22 مايو 90م والعمل المشترك حتى اللحظة يسير باتجاه تحقيق تطلعات وأهداف الجنوبيين، وفي نفس الوقت تحقيق أهداف التحالف العربي، لكن الأمر يتطلب ضرورة وجود تفاهمات وضمانات مكتوبة حتى لا نقع في آخر المطاف بالمحظور.
2 – العلاقة مع الحكومة اليمنية وهي علاقة آنية لهذه المرحلة ولدى الجنوبيين اتفاق وقعه المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية برعاية إقليمية (دول التحالف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) وبدعم وتأييد دولي وتأكيد مجلس الأمن الدولي عليه، لإدارة هذه المرحلة مرحلة ما قبل العملية السياسية وقد نفذ بعض جوانبه، ولم تنفذ جوانب أخرى وأهم ما في هذا الاتفاق هو الاعتراف بثنائية الجنوب العربي واليمن ومناصفة السلطة بينهما وتوحيد القوات والاعتراف الخارجي بالمجلس الانتقالي الجنوبي، أما الداخل فقد شرعنه التفويض الشعبي الذي منحه له شعب الجنوب العربي، ومن خلال هذا الاتفاق يجب أن تخرج القوات التي ما زالت تحتل وادي حضرموت ومحافظة المهرة وتبسط قوات الأحزمة والنخب سيطرتها على الأوضاع الأمنية في كل الجنوب وتكون القوات المسلحة في جبهات القتال على الحدود الجنوبية ولا يمنع من أن تتوغل في منطقة حيوية للدفاع عن الجنوب، وتطوير وتحسين مستوى معيشة الشعب والخدمات، وبناء مؤسسات الدولة الجنوبية وإعادة تنظيم القوات المسلحة والأمن ومحاربة مظاهر الفساد والإرهاب.
3 – القوى الشخصيات الجنوبية.
بالوقت الذي فوض فيه شعب الجنوب المجلس الانتقالي الجنوبي كحامل لقضيته واستعادة دولته وإدارة الجنوب في المرحلة الراهنة، فإن هناك قوى سياسية جنوبية بغض النظر عن حجمها، ويمكن تصنيفها في التالي:
1 – قوى تحمل نفس رؤية المجلس الانتقالي الجنوبي في الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية.
2 – قوى تنشد دولة يمنية فيدرالية من إقليمين مع حق الجنوب في تقرير مصيره.
3 – قوى تنشد تنفيذ مخرجات حوار صنعاء ودولة يمنية من ستة أقاليم وهم جنوبيو الشرعية.
إن من المهم إجراء حوار جنوبي يفضي إلى توحيد الجنوبيين حول مشروع الاستقلال وبناء الدولة على ما قبل 22 مايو 1990م.
إن أي دعوات اليوم لأي اتفاقات مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا أو أحزابها المكونة لها ما هي إلا التفاف على اتفاق الرياض الذي ينظم هذه العلاقة وخصوصا أن ذلك الاتفاق كان ثنائيا وجعل الجنوب ممثلا بمجلسه الانتقالي ندا حقيقيا للحكومة اليمنية وأحزابها المختلفة، وتضمن قضايا مهمة مثل إخراج القوات من حضرموت والمهرة فهم يريدون من خلال هذه الدعوات الالتفاف على ثنائية وندية الانتقالي والحكومة اليمنية بأحزابها المكونة لها والذهاب إلى اتفاق متعدد الأطراف يكون في الانتقالي مثل أي حزب، أو مكون يمني بعد أن أصبح ممثلا للجنوب وندا للحكومة اليمنية، وهذا التفاف خطير وإذا كانت النوايا حسنة فيمكن اتباع التالي:
1 – استكمال تنفيذ اتفاق الرياض.
2 – إعلان الأحزاب والمكونات اليمنية اعترافها بحق شعب الجنوب في استعادة دولته وبالمجلس الانتقالي ممثل لشعب الجنوب، ويمكن الذهاب لأي تفاهمات، وهنا لا بد من تحديد المهام التي ينبغي أن ينجزها الانتقالي في هذه المرحلة: أي مرحلة ما قبل وقف الحرب وأهمها:
تنظيم وترتيب وهيكلة القوات المسلحة والأمن.
تحصين حدود الجنوب وتسويرها.
تنظيف الجنوب من البؤر السيئة.
خلق اصطفاف جنوبي واسع وتعزيز التصالح والتسامح
2 – مرحلة مفاوضات السلام (مرحلة وقف الحرب) هناك من يرى أن وقف الحرب يكون مرحلة مستقلة بذاتها كما كان يراها جري فيتش وتكون بين طرفي الصراع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والحوثيين، وهناك من يراها جزءا من العملية السياسية بحيث يكون وقف الحرب من أولى المخرجات لهذه العملية السياسية التي ستكون متعددة الأطراف وليس بين طرفي الحرب فقط، وبغض النظر عما سوف يتم فإن المجلس الانتقالي الجنوبي كممثل لشعب الجنوب وفاعل في جبهات القتال المختلفة يجب أن يكون حاضرا وفاعلا في مفاوضات السلام من البداية، بحيث يضمن أن وقف الحرب يتضمن عدم تكرار الاعتداء على الجنوب وتوفير حماية دولية لشعب الجنوب وقوات حفظ سلام على حدود الجنوب وضمان لقواته المسلحة والأمن وتموضعها على حدود الجنوب البرية والبحرية.
3 – مرحلة استكمال الانتقال السياسي.
4 – مرحلة العملية السياسية لتحقيق مستقبل المنطقة وتطلعات الناس.
وسنتحدث عن المرحلتين مع بعض لترابطهما:
من النظرة الأولى للمرحلتين يفهم أن تستكمل مهام الانتقال الذي تضمنته المبادرة الخليجية، وهو الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات التشريعية، وهنا بالضبط توجد إشكالية كبيرة ينبغي على الانتقالي حلها، حيث يطرح السؤال الآتي نفسه: هل سنذهب بالجنوب إلى هذه المرحلة قبل أن نحل القضية الجنوبية؟ وهل العملية السياسية التي سترعاها الأمم المتحدة تكون قبل استكمال عملية الانتقال السياسي أم بعدها؟ وفي تقديري أن العملية السياسية ينبغي أن تكون قبل عملية استكمال الانتقال السياسي، التي ستعالج تطلعات المستقبل لكل الأطراف السياسية وفي المقدمة القضية الجنوبية باعتبارها مفتاح الحل لكل القضايا، وأي تأجيل لها ما هو إلا خداع للجنوبيين، فلا ينبغي أن يذهب الجنوب إلى الاستفتاء على الدستور اليمني ولا إلى انتخابات يمنية تشريعية، بل يجب أن تحل قضيته قبل، وإذا لم يكن الحل بفك الارتباط مباشرة بل بعد مرحلة انتقالية يكون فيها الجنوب إقليما مستقلا لفترة مزمنة، ثم يجري استفتاء للجنوبيين، فإن هذا الأمر يجب أن يكون واضحا وضوح الشمس لا لبس فيه في الدستور الذي سيجري عليه الاستفتاء، ويجب أن يتم ذلك من خلال تفاوض ثنائي بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية على أساس خيار الدولتين.