بقلم: رياض جابر سعيد العجماء
بالنظر الى العقدين الماضيين الى عهدنا الحالي، يُلاحظ اللبيبُ منا أنها فترة انعدمت فيها الرؤية الاستراتيجية الأمنية النابعة عن الوطنية والاستقلالية المفترضة بالمنوطين بتحقيق الاستقرار الأمني المنشود. فلم تكن هنالك ثمة رغبة مؤسسية أو سياسية من أحزاب السلطة قاطبة لإيقاف النزف الذي عانت منه المؤسسات المعنية بمهمة حفظ الأمن بسبب العبث الفئوي والقومي والطائفي والحزبي والمالي (السرطان الخماسي). هذا المرض الخماسي المُتَحوّر أحاط بالمؤسسات المعنية بمهمتها في تحقيق الاستقرار الامني المنشود، فمنعها من أن تُبنى على أُسس علمية وطنية. كانت تلك الجوانب الخمس أعلاه بمثابة فلاتر سلبية تضيّق فرص اختيار القيادات المناسبة للمؤسسات الأمنية، تكبّلهم بولاءات أخرى، وتمنع من وصول الكفاءات الادارية الى هرم القيادة.
أوصل سوء الاختيار للكفاءات منظومتي الدفاع والداخلية إلى الحد الذي أَرْبك العمل الأمني والنهضة الحضارية وأدى الى تراجعه، منتجًا مافيات تبتلع ميزانيات ضخمة للوزارتين بلا تطوير ملموس، بل وتفتقر فيه الوزارتين وتشكيلاتهما الأمنية والعسكرية الى الخبرة والتطوير والبناء المثمر، وابتُليتا بدلًا عن ذلك بالترهل والتبذير وغياب التفكير الإستراتيجي؛ الأمر الذي أدخل البلد في دوامة العبث الخماسي الدامي، حيث تم ترسيخ الطائفية السياسية وادماج نماذج طائفية مشبوهة مرتبطة بالارهاب أو أحد شماعاته في العملية السياسية الى جانب توزيع الرتب العسكرية والشرطوية بشكل عشوائي مثير للسخرية.
ساهم ذلك الوضع في خراب المنظومة الأمنية والعسكرية وتراجع دور مؤسساتها، وأدّى الى خلق فجوة عميقة بين المؤسسات الأمنية وأي منظومة أو قوانين أو اجراءات مجتمعية من شأنها تعزيز الهدف السامي للوزارتين في حفظ الاستقرار الأمني للبلاد، حيث عمّت الفوضى الاقتصادية والادارية والعبث بالبنى التحتية للبلاد مما ساهم في اضعاف وعرقلة أي تعاون أو اندماج في مهمات حفظ الأمن.
كما أنّ الرؤية الأحادية لتحقيق الاستقرار الأمني المنشود؛ دون الاهتمام بالنهضة الحضارية والمؤسسية للبلاد في كل مناحي الحياة؛ لا تحقق أمنًا مستقرًا، كما أنّ النهضة الاقتصادية والحضارية – بذات الوقت -تحتاج الى متنفس من الحياة المدنية المستقرة أمنيًا؛ لكل ذلك فإن الاستقرار الأمني المنشود يدعونا للاسراع الى رسم الرؤية الاستراتيجية الأمنية التي يرتبط فيها الأمن العسكري والأمن الاحصائي والأمن السياسي والقضائي والاقتصادي والعلمي والاعلامي والاجتماعي والثقافي والجغرافي ببعضهم البعض كباقة واحدة – بعيدًا عن السرطان الخماسي – لضمان فاعليته وديموميته.
في الأخير تُجدر الاشارة الى أن التصحيح والتطوير لا حدود له، وأننا لا ندّعي الاحاطة بكل العوامل الداخلية والخارجية التي تساهم في الاستقرار الأمني المنشود لبلادنا، بالتأكيد توجد هناك العديد من الأفكار المبدعة التي بالامكان الاعتناء بها للوصول الى الغاية المرجوة، ولكنني أحاول أن أطرح بكل تواضع، على الأقل من وجهة نظري المتواضعة، هذه الرؤية المتواضعة التي نأمل من خلالها المساهمة في تحقيق الاستقرار الأمني المنشود لبلادنا، وتطوير العمل الأمني من داخل المؤسسات الأمنية ومن خارجها؛ مستندين في ذلك الى قوله تعالى في سورة قريش (لإيلافِ قريش، إيلافهم رحلة الشتاءِ والصيف، فليعبدوا ربَّ هذا البيت، الذي أَطْعَمهم من جوعِ وآمنهم من خوف) وقوله تعالى في سورة النحل آية 112( وضَربَ الله مثلا قرية كانت آمنة مُطْمئنّةً يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ِ فكفرت بِأنْعُم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) صدق الله العظيم.
والله من وراء القصد
12 فبراير 2022م