نداء حضرموت – العرب
وصف مراقبون الخسائر العسكرية والإدانات الدبلوماسية المتلاحقة التي يتعرض لها الحوثيون بأنها استمرار لنهج الضغوط المتوازية التي يمارسها المجتمع الدولي والإقليم على الميليشيات المدعومة من إيران لدفعها نحو تقديم تنازلات حقيقية على طاولة المشاورات، وفصل المسار السياسي للجماعة عن الأجندة الإيرانية المرتبطة بمباحثات الملف النووي والطموحات المتزايدة لطهران للعب دور إقليمي في المنطقة.
وتواصلت بيانات الإدانة للسلوك الحوثي بشكل متصاعد سواء من قبل الإدارة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وصولا إلى مجلس الأمن الدولي الذي أدان الجمعة اختطاف الميليشيات الحوثية لسفينة الشحن الإماراتية “روابي”، معتبرا تلك “الهجمات المتصاعدة” التي يشنها الحوثيون “تهديداً للأمن البحري في خليج عدن والبحر الأحمر” ودعا المجلس في بيان بالإجماع إلى “الإفراج الفوري عن السفينة”.
وشهد الموقف الأميركي والغربي تحولا لافتا على صعيد تحميل الحوثيين مسؤولية انهيار مسار السلام في اليمن، بعد أن كان الخطاب الدبلوماسي الغربي يتبع سياسة تقوم على توزيع المسؤولية على كافة أطراف الصراع في اليمن، إلى جانب تقديم تنازلات للحوثيين بهدف تشجيعهم على الانخراط في مشاورات السلام.
وقادت الإدارة الأميركية السياسة الجديدة التي تقوم على تكثيف الضغوط على الحوثيين بعد فشل جهود مبعوثها إلى اليمن تيم ليندركينغ برفقة المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في إقناع الحوثيين بالموافقة على المبادرة الأممية التي أعدها المبعوث السابق إلى اليمن مارتن غريفيث والتي عرفت بالإعلان المشترك.
وتعرضت واشنطن لانتقادات داخلية وخارجية لاذعة على خلفية رفعها للحوثيين من قائمة العقوبات، وهو ما شجع وفقا لمراقبين الجماعة الراديكالية المدعومة من إيران في تصعيدها العسكري والسياسي وصولا إلى إحراج إدارة الرئيس جو بايدن بعد الإقدام على اقتحام مبنى السفارة الأميركية في صنعاء واعتقال العشرات من العاملين فيه.
وفي أحدث موقف أميركي مناهض للسلوك الحوثي، جددت الخارجية الأميركية إدانتها لاستمرار الحوثيين في عرقلة عملية السلام واحتجاز ومضايقة الموظفين اليمنيين العاملين لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
ونقل حساب الخارجية الأميركية على تويتر عن سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد قولها “على الرغم من إدانة مجلس الأمن الدولي يواصل الحوثيون اعتقال ومضايقة موظفينا المحليين اليمنيين وموظفي الأمم المتحدة والسيطرة على مجمع سفارتنا السابق”.
ويربط مراقبون بين التحولات التي طرأت على الموقف الأميركي إزاء التعنت الحوثي وبين تصاعد العمليات العسكرية في اليمن وتحول مسارها باتجاه إضعاف النفوذ الحوثي ومحاصرة الأنشطة العسكرية للميليشيات المدعومة من طهران.
وتعرض الحوثيون خلال الأيام الماضية لانتكاسات عسكرية لافتة في محافظتي شبوة ومأرب بالتوازي مع التصاعد في عمليات التحالف العربي الجوية التي استهدفت مواقع حوثية بما في ذلك المدن التي يسيطر عليها الانقلابيون والتي شهدت حالة من الهدوء منذ قرابة ثلاثة أعوام تقريبا.
وعن الوضع الميداني ومجريات المشهد العسكري في مأرب والتطورات التي طرأت عليه، قال الباحث السياسي اليمني عبدالوهاب بحيبح في تصريح لـ”العرب” إن جبهات حريب تشهد معارك شرسة حيث تتقدم قوات العمالقة بخطى ثابتة لتطويقها في ظل تمركز وتحصن الميليشيات الحوثية داخل المدينة وعلى أطرافها واضعة السكان دروعا بشرية بهدف إعاقة تقدم العمالقة، وهذا ما اضطر قوات العمالقة إلى خيار التطويق حفاظا على المدنيين.
وأشار بحيبح إلى أن قوات العمالقة تسعى للسيطرة على ما تبقى من مديرية حريب وتأمينها بشكل كامل واستعادتها وبذلك تضمن السيطرة على مديرية عين التابعة لمحافظة شبوة كاملة وتأمينها حيث أن المديريتين متداخلتين، كما أن السيطرة على حريب تمهد الطريق للتقدم والسيطرة على عقبة ملعاء التي تعد مفتاحا لمديرية الجوبة التي تعدّ محورية جدا لأهمية موقعها الاستراتيجي، كما تعد مفتاحا لمدينة مأرب، كما أنها تجاور مديرية الوادي وأيضاً مديريتي جبل مراد ورحبة ومديريات أخرى، ويمر منها الخط الدولي الرابط بين مأرب والبيضاء وشبوة، كما أن تحرير حريب سيمهد الطريق للتقدم نحو تحرير مديرية العبدية ومديريات جنوب مأرب بشكل عام.
وتابع بحيبح وهو من محافظة مأرب “تشهد جبهات جنوب مأرب معارك ضارية يخوضها الجيش الوطني دون أي تقدم نوعي في النقاط الرئيسية في جبهاتها.
ومن وجهة نظري فإن التقدم النوعي سيحصل في حالة استعاد الجيش الوطني البلق الشرقي وبقيرتين ولضاة وصولا إلى برق السمع ووادي السمع وأيضا استعادة شقة البور والسيطرة على عرق مغزر المطل على وادي السمع، حينها سيصلون إلى معسكر أم ريش والبُرق وحتى قطع ملعاء، وفي حالة تحقيق هذا التقدم سيصبح إسقاط عقبة ملعاء أمرا واقعا وبذلك تسهل مهمة العمالقة فيها”.
وحول قراءته للتوازي بين مساري الضغط العسكري والدبلوماسي على الحوثيين في هذا التوقيت، يؤكد الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر أن الضغط العسكري الحاصل الآن في الجبهات اليمنية، هو نتيجة ضوء أخضر دولي، بعد عام من محاولتهم إقناع الحوثيين بوقف الحرب والجلوس على طاولة المفاوضات، رغم ما قدموه من تنازلات وإغراءات كبيرة للجماعة المتحالفة مع إيران، إلا أنها فضلت الحسم العسكري لاعتقادها أنها قادرة على ذلك مستغلة الفرقة بين الأطراف اليمنية والتحالفات السرية معها.
ويضيف الطاهر لـ”العرب” أنه “من خلال الموقف الدولي يبدو لي أن هدف التحركات العسكرية الآن في مأرب هو إيجاد معادلة عسكرية جديدة على الأرض، وإرسال رسالة للحوثيين مفادها أن الحسم العسكري ليس هو الحل الأمثل لوقف الحرب، إذا أرادوا أن يكونوا مشاركين في الحياة السياسية اليمنية لما بعد الحرب، وفي نفس الوقت جس نبض قدرات الحوثيين على الصمود، وهي مقدمة لعملية عسكرية كبيرة”.
وحول النتائج المتوقعة من التلازم بين المسارين العسكري والسياسي في مواجهة التعنت الحوثي تابع الطاهر “بدأ هذا الضغط يؤتي ثماره من خلال التحركات القطرية والإيرانية معًا لمحاولة وقف الحرب، وانتزاع هدنة عسكرية بهدف منح الحوثيين فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم، ومن ثم إعادة المحاولة للتقدم إلى محافظة مأرب التي كسرت غرورهم. ولا أعتقد أن ما يحصل حاليًا هو عقاب، ولكنه جس للنبض مع فتح المجال أمام الحوثيين للقبول بالسلام، لكني أعتقد أن هذا لن يستمر، وقد يأتي القرار في ما بعد، وهو القرار النهائي لوقف الحرب بإزاحة الحوثيين عبر هزيمتهم عسكريًا، وذلك ليس بالمستحيل ولا صعبا، وقد وجدنا ذلك على الأرض”.
ويشير الطاهر إلى أن الحوثيين اليوم في موقف المدافع نتيجة للتحركات العسكرية الأخيرة، لافتا إلى أنهم بالرغم من كونهم في موقف المدافع إلا أنهم يصرون على الحسم العسكري، وهو الأمر الذي قد يساهم في منح ضوء أخضر إضافي لحسم المعركة سريعًا في اليمن “لاسيما وأن دعوات السلام في سبع سنوات فشلت، واستغلها الحوثيون لصالحهم، وبعد الفشل لا بد من تغيير استراتيجية الأمر برمته من أجل وقف الحرب بالطريقة التي لا يرضاها معرقلو السلام في اليمن، وهو الحسم العسكري”.