*بقلم/عبدالله ناصر العولقي*
كانت المدارس في عدن، إلى فترة الثمانينات من القرن الماضي، ملتزمة بالنظام التعليمي الدقيق شكلا ومضمونا، وكان من بين تلك الضوابط التي لا يمكن أن تحيد عنها المدرسة قيد أنملة، هو سن قبول التلاميذ لدخول المرحلة الابتدائية، فكانت المدرسة لا تسمح بدخول أي تلميذ لم يكمل سن السابعة من عمره، بعكس جيل تسعينيات القرن الماضي، حيث بدأت بعض التجاوزات للضوابط الدقيقة، فكان في بعض الحالات يسمح للتلميذ أن يلتحق بالصف الأول كمستمع قبل بلوغه السابعة بأقل من عام كنوع من التهيئة، ثم يعيد عامه الدراسي، ولكن في حالة تفوق المستمع وحصوله على المرتبة
الأولى في الفصل، يعفى من الإعادة وتنقله المدرسة مع زملائة إلى الصف الثاني، فيكون أصغرهم سنا، وذلك الأمر حدث مع ابنتي، قبل أقل من عقدين من الزمن، أما في هذه الأيام ومع ركاكة النظام وضعف الضوابط والروابط بشكل أوسع مما سبق، فمن البديهي أن تحدث تجاوزات كثيرة للسن المحدد لدخول التلميذ المدرسة.
وربما التجاوزات للسن المحدد قد أفضت لدخول مواليد بداية الحرب للمدارس للعام الدراسي الحالي وقبل الحالي أيضا، مما يعني أن هذه الحرب بلغت سن دخول المدرسة قبل عام من العام الدراسي الحالي، لذا كان من الاحرى بها أن ترتدي القميص الأبيض الذي يمثل لونه رمزاً للسلام، وتوقف سعيرها، ولكن لن يتيسر لها هذا الأمر إلا إذا توقف الدعم الخارجي للمليشيات الحوثية، والذي هدفه مد أجل الحرب، واستمرار القتل والدمار .
ويبقى مواليد ما بعد الحرب، وما أضفت ظلال الحرب عليهم، فقد كان لصدفة تزامن لحظات انبثاق بعضهم للدنيا، مع معارك دائرة في مناطقهم، لحظات عصيبة لأسرهم، حين تعذر عليهم نقل الأم للمستشفى، وربما طغى صوت أزيز الرصاص أو دوي المدافع على صوت صرخة المولود الأولى في الحياة.
كما نجد أطفال مرحلة الحرب لا يتعلقون بالألعاب القديمة كالدمى والحراثات والقطارات، ولكن ما يشدهم هو اقتناء الألعاب التي انتجتها الصين والتي تواكب نفسيات أطفال الحرب، كالبنادق والمسدسات والدبابات وغيرها من أسلحة القتل والدمار.
كما أن أجواء الحرب العاصفة، غيرت في سلوك أطفال مرحلتها، وخلقت لديهم اهتمامات بعيدة عن سنهم كتعلّقهم بمرافقة جنازات الشهداء في مناطقهم، وبالرغم من صغر سنهم، فهم لا يخشون دخول المقابر، كما أن بعض الأطفال قد شربوا من كاس مآسي الحرب والارهاب، التي حصدت أرواحهم، وكذلك قضت على القليل من الأجنة وأمهاتهم.
فكانت الصحفية رشا وجنينها أحد الضحايا، فبينما كانت في طريقها إلى المستشفى برفقة زوجها الصحفي محمود يوم الثلاثاء الماضي، لتضع مولودها الثاني من مواليد مرحلة الحرب، وقد تركت ابنها الأول في البيت حتى تعود إليه بمولود جديد ينبض بالحياة ويفيض على الأسرة الصغيرة بالفرح، إذ بسيارتهما ترتج وكأنها فوق فوهة بركان، وإذا بالأب الذي كان يسابق الزمن ليرى وجه المولود الجديد، يرمى بعيدا عن سيارته، وقد نزلت عليه أوجاع الجروح العميقة التي اصابت أجزاء من جسده، كما وقعت عليه آلام الفراق الأشد عمقا في النفس، فقد خسر زوجته التي فارقت الحياة وسط نيران المتفجر الذي الصق بسيارتهما، وخسر المولود المنتظر، الذي كتمت النيران صرخته الأولى، ولم يرَ النور الذي أوشك أن يراه لولا قيام الجهة الأثمة بهذا العمل الإجرامي الجبان، والتي هدفت من خلاله إحداث صدمة نفسية جديدة، لشعب مزقته صدمات الحرب والإرهاب.