نداء حضرموت – العرب
وصف خبراء اقتصاديون يمنيون قرار الحكومة التابعة للحوثيين غير المعترف بها دوليا، والذي يقضي بتعليق 49 في المئة من قيمة الجمارك على الحاويات الواردة عبر ميناء الحديدة، بأنه استمرار لسياسة الحرب الاقتصادية التي تمارسها الجماعة المدعومة من إيران ضد الحكومة الشرعية.
واستغرب الخبراء اليمنيون من القرار الحوثي الذي يأتي في ظل مزاعم تروج لها الجماعة على نطاق واسع في المحافل الأممية والدولية حول تعرضها لحصار بري وبحري وجوي.
والأسبوع الماضي أقرت الحكومة التابعة للحوثيين في صنعاء ما وصفته بالإجراءات التنفيذية الخاصة بتعليق 49 في المئة من قيمة الجمارك على كل حاوية محمّلة بالبضائع تصل عبر ميناء الحديدة.
عبدالحميد المساجدي: الحوثيون كانوا سباقين في دراسة رفع الدولار الجمركي في منافذهم
وقالت وكالة الأنباء التابعة للحوثيين إن القرار جاء في أعقاب اجتماع عقده عضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة محمد علي الحوثي مع رجال أعمال ومستوردين يمنيين، مشيرة إلى أن القرار جاء ردا على قرار الحكومة المعترف بها دوليا والذي يقضي “برفع سعر الدولار الجمركي إلى خمس مئة مقابل الدولار، أي بنسبة 100 في المئة مقارنة بما كان سائدا قبل ذلك”.
وفي تغريدة على تويتر دعا محمد علي الحوثي “جميع التجار في الجنوب للاستيراد من ميناء الحديدة” الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية، للتمتع “بالمزايا ونسبة التخفيض التي أعلنت الحكومة إقرارها مع تثبيت سعر الدولار 250 ريالا للدولار في التعريفة الجمركية”.
وأعلن الحوثيون عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تشجيع التجار اليمنيين على الاستيراد عبر ميناء الحديدة بدلا من الموانئ الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، مشيرين إلى “توفير مختبرات حديثة لفحص السلع” و”سرعة إجراءات التخليص الجمركي، بخلاف تقليص حجم نفقات النقل مقارنة مع كلفة النقل الباهظة حاليا من ميناء عدن إلى المحافظات الأخرى”.
وفي تصريح لـ”العرب” قال المحلل الاقتصادي اليمني عبدالحميد المساجدي إن “موضوع الدولار الجمركي أكبر دليل على أن قرارات الحوثي ليست لها أي صلة بالمصالح الاقتصادية للمواطنين في مناطق سيطرتها، وإنما تندرج ضمن حرب اقتصادية تخوضها ميليشيا الحوثي ضد الحكومة والاقتصاد اليمني”.
وأشار المساجدي إلى أن “الجماعة الحوثية كانت صاحبة السبق في دراسة رفع الدولار الجمركي في منافذها المستحدثة، وكانت تهدف من خلال ذلك إلى إجبار التجار والمستوردين على دفع الفارق بين ما تم دفعه من رسوم جمركية على أساس 250 ريالا للدولار في المنافذ الرسمية المحررة، وبين قرارها الذي كانت تنوي إصداره بسعر 600 ريال للدولار”.
وعن تفسيره للقرارات الحوثية الأخيرة في هذا الجانب أضاف “الميليشيا رأت أن القرار الحكومي الذي يقضي برفع الدولار الجمركي فوت عليها فرصة تحصيل جباية وموارد كانت في متناولها، لذلك لجأت إلى المزايدة المفضوحة والمكشوفة عبر التصعيد الإعلامي والشعبي، من أجل إفشال قرار الحكومة والضغط عليها للتراجع عنه”.
وتابع “الإعلان الحوثي عن الامتيازات الجمركية للرد على القرار الحكومي، وذلك بإعلان تعليق 49 في المئة من الرسوم الجمركية المستحقة، يعني تأجيل تحصيل نصف الموارد الجمركية لمن أدخلوا بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وبالتالي جعلهم عرضة للابتزاز في ما بعد؛ حيث أن القرار يتمثل في تعليق الرسوم الجمركية وليس إعفاءهم منها أو تخفيضها، ناهيك عن أن هناك تناقضا صارخا؛ فكيف للميليشيا أن تعلن عن امتيازات جمركية للتجار وهي تدعي أنها تعاني من حصار؟ وكيف سيدخل التجار بضائعهم إذا كان ميناء الحديدة تحت الحصار؟”.
وأوضح أن “هذه النقطة بالذات تكشف زيف ادعاءات الميليشيا الحوثية حول الحصار وأنها مجرد مزايدة للمتاجرة بالأوضاع الإنسانية واختلاق مبررات للأزمات التي تفتعلها من أجل تعزيز الأسواق السوداء وتبرير احتكار السلع ورفع أسعارها، إضافة إلى مسألة كيف يمكن لهذه الميليشيا أن تدعي منح التجار امتيازات وهمية وهي التي تفرض عليهم جبايات وإتاوات غير قانونية أضعاف ما ستمنحهم من إعفاءات مزعومة، وتشاركهم أرباحهم ورؤوس أموالهم، وتجبرهم على دعم جبهاتها وحروبها”.
ماجد الداعري: نجاح قرار الحوثيين مرهون بموافقة التحالف والأمم المتحدة على إعادة الملاحة لميناء الحديدة
ولفت المساجدي إلى أنه كان من باب أولى أن تقوم الميليشيا الحوثية -إذا كانت فعلا عازمة على التعاون مع التجار والمستوردين- برفع منافذها الجمركية المستحدثة وفتح مناطق سيطرتها لإدخال البضائع دون فرض أي جبايات في نقاطها المنتشرة على طول الطرق في مناطق سيطرتها.
واعتبر أن “للميليشيا الحوثية سجلا أسود في التعامل مع القطاع الخاص الذي يعاني بشدة من التعسفات الحوثية وفرض الجبايات والإتاوات غير القانونية، ونهب أموال الخواص وأصولهم بقوة السلاح، واقتيادهم إلى السجون والمعتقلات السرية، لذا فإن القطاع الخاص على وعي كامل بتصرفات وممارسات الميليشيا الحوثية ولن تنطلي عليه هذه الخدعة الحوثية الجديدة”.
وبدوره يرى الباحث السياسي اليمني ماجد الداعري أن إجراءات الحوثي الأخيرة تمثل ذروة مراحل الحرب الاقتصادية ومعركة كسر العظم بين الحوثيين والشرعية.
وأضاف، لـ”العرب”، “أعتقد أن القرار الحوثي يمثل انطلاق مرحلة جديدة في الحرب الاقتصادية مع الشرعية، لكن نجاح تنفيذه مرهون بموافقة التحالف والأمم المتحدة على إعادة الحركة الملاحية لميناء الحديدة والسماح للسفن الغذائية والنفطية بالمرور والوصول إلى الميناء الذي يشكل أحد أهم وأكبر الموانئ التي تستقبل أكثر من ثلثي غذاء الشعب اليمني”.
وكان المجلس الاقتصادي الأعلى التابع للحكومة اليمنية قد أقر في الحادي عشر من أغسطس حزمة من الإجراءات لدعم السياسة النقدية والمالية ومنع تدهور العملة الوطنية وتفادي مخاطر الانهيار الاقتصادي، تضمنت تحريك سعر صرف الدولار الجمركي الذي يستهدف السلع الكمالية واستثناء السلع الأساسية المعفاة من الرسوم الجمركية.
وقالت الحكومة إن “قرار تحريك سعر صرف الدولار الجمركي لن يمس قوت المواطنين الأساسي، بل إن العائد النقدي جراء هذا القرار سيرفد المالية العامة بإيرادات تساهم في وقف تدهور العملة الوطنية، وتحسين الخدمات العامة وانتظام صرف رواتب موظفي الدولة”.