أداب وثقافة

جُندي ،

كتب / ريم النهدي

فارغ من كلُ شيء عدا كونهُ جنّدي ؛ لا يعلم ما هو الوطن، و ما هي حدودهُ البّرِية!
لا يعلم ماهية الثورة؛ و ما هو التحرر و الحرّية!
جُندي غادر صفوف المقاعد الدّراسية باكرًا – ربما لأن لا رغبة لديه و ربما لأن الظروف تآمرت عليه و ربما لأن الأمر هكذا- فقال لهُ والدهُ ذات يومٍ ناصحًا :

  • إلتحق بالعسكرّيةِ يا بُني ؛ فقد تُفيد الوطن و تطعمنّا قوتًا بدل الجوع!

لم يحدثهُ والدهُ الشيخ الهرِّم عن المبادئ و القيّم عن الدروس و العِبّر و لم يتطرق إلى الخوض في حديثٍ مطول عن الولاء و الوفاء و الوطنّية و الوطنّ، لم يَسرد لهُ أحداث الثورات و أسباب وجود النّصب التذكرية في مُختلفِ الطرق التي نسعى عليّها، و لم يحدثهُ عن الشعب و الحب و السلام ؛ إكتفى بقصرِ نظرتهِ و بصيرتهِ و بإشبّاع بطنّه….

صَوّرَ لهُ بأن العسكرّية بيعُ وطن مغلف بدماءِ السكاكر للمارة الغرباء و الأقرباء!

ليلتحق الفتى في العسكرّية؛ الفتى الذي لم تُنبث الشعرات السود على ذقنه مثناترة بين أطراف وجهه بعد ، الفتى الذي يرجو قطعةِ حلوى و كيس ‘ بفك’، الفتى الذي يرى من حمّل البندقية و القفز من خلالِ النيران مدينة ألعاب لم يسنح لهُ الفقر من زيارتها… الفتى الذي يظنُ أن الوطن محصور بحدودِ المعسكر و بقطعِ الخبزِ القاسي و بجدران الذّكريات التي يُعلق بها لحظاتهُ المرّفهة عليّها ؛ يظنُ الوطن شعور الشبع الذّي قد يشعر بهِ والدهُ بعد إمتلاء أمعائه و يظن أنهُ الروح المعلقة بحافة الأرض التي تمتد على بصره و بطرفِ السماء القريبة منه؛ يظن أن الوطنَ كُل شيء عدا كوّنهُ “يمن”…

ليصل الفتى بغتة-بسرعةِ ظهور الشارب الأسود على وجههِ – إلى أعالي المنّاصب

فلا تكفيّهُ تلك المنّاصب ؛ فهو يوّد أن يُفيد الوطن و يشبع معدة والدهُ الذي إتسعت أكثر من السابق….

فقالو لهُ ناصحين:

-إنقلب!

فإنقلب ؛رغم عدم إستطاعتهِ الإنقلاب و المشي بأطرافِ يديه إلا في الشاطئ إلا إنهُ إستطاع أن ينقلبَ على السجادةِ الحمراء في القصر الفاخِر؛ رغم اللون الأحمر الذي لم يُغسل من يديه إرتسمت الإبتسامة على شفاههِ كيف تغيّرت أحاوله من عبوسٍ بسبب رمال الشاطئ العالق إلى فرحٍ رغم اللون الذي لطخ يداهُ بشكلٍ دائم!

و جلسَ الـ جُندي على الكرسي الفاخر

فسألهُ أحدهم :

  • سيّدي ؛ ما العملُ الآن؟

أجاب بحنّكة العظماء :

  • نُفيد الوطن بإشبّاع الأمعاء !

صَفقَ الجميّع و قال: عاش الرئيس عاش الزعيم عاش الوطن آمنًا مستقرًا و منعمًا!

إلى الأعلى