نداء حضرموت – صحيفة العرب
يحتاج الملف اليمني اليوم إلى تغيير في مدخلات الحرب أو السلام حتى نحصل على نتيجة مختلفة عن تلك التي تراوح مكانها منذ سبع سنوات تقريبا وهي المدة التي استغرقتها الحرب العالمية الثانية منذ اندلاعها حتى اجتياح قوات الحلفاء لعاصمة الرايخ الثالث.
والحقيقة الماثلة أمامنا ونحن نستعيد في هذه الأيام ذكرى تحرير مدينة عدن من قبل قوات المقاومة الجنوبية مسنودة بوحدات من الجيشين السعودي والإماراتي، أن معظم الإنجازات العسكرية التي تحققت في حرب اليمن، كانت في السنوات الأولى عندما تم حينها وبشكل سريع وسلس تحرير محافظات الجنوب ودفع ميليشيات الحوثي بعيدا عن مأرب.
وقد يتساءل البعض ماذا حدث بعد ذلك؟ ولماذا سارت الأمور بشكل عكسي بدءا من العام 2017 وصولا إلى خسارة مناطق كانت محررة مثل الجوف ونهم وأجزاء من محافظة البيضاء وصعدة؟ وما الذي جعل الميليشيات المدعومة من إيران تعيد تهديدها لمأرب، بعد أن كانت قوات الجيش الوطني اليمني في أعلى قمم نهم تراقب مدرج مطار صنعاء الدولي؟
والإجابة على هذا السؤال ليست بالسهلة في ظل التعقيدات التي أحاطت وتحيط بتفاصيل الملف اليمني وتشعباته الداخلية والخارجية، الثقافية والسياسية والاجتماعية، ولكنها ليست بالمستحيلة أيضا لمن يتابع الخط الزمني للحرب بدءا من اندلاعها في مارس 2015 وصولا إلى معاودة الحوثيين تهديد مأرب التي كانت قبل ثلاث أعوام تقريبا تمثل رأس الحربة في معركة استعادة صنعاء ذاتها.
ويمكن هنا إيجاز الإجابة على هذا السؤال الإشكالي من خلال سرد بعض أسباب تعثر معركة استعادة اليمن، وبشكل مباشر يكشف عن جوانب من الخلل الذي رافق معركة استعادة الدولة في اليمن وليس كل جوانب هذا الخلل.
السبب الأول: بعد هزيمة الحوثي بوقت وجيز وتحرير المحافظات الجنوبية وحماية مأرب، بدأت تتشكل أسرع مما كان متوقعا شبكات المصالح السياسية والأيديولوجية والمالية وخلع كثير ممن شاركوا في معارك التحرير بزات المقاومة وارتدوا بزات الصراع السياسي، فيما انبرى قسم ممن كانوا خارج معادلة الحرب والتحرير للحصول على نصيبهم من كعكعة النصر الذي لم يشاركوا في صنعه.
السبب الثاني: شهدت الفترة اللاحقة حالة من الاسترخاء وربما الاتكاء المطلق على التحالف العربي في إدارة المعركة السياسية والعسكرية والدبلوماسية في مواجهة الحوثيين، ونتج عن هذه الاتكالية فجوة هائلة في أداء الشرعية وخلل في إدارة المعركة وقيادتها وتراجع في روح المقاومة لدى المناوئين للمشروع الحوثي، كما تراجع الخطاب الدبلوماسي والإعلامي الفاعل بشكل لافت في مواجهة الحوثيين في المحافل الدولية وكشف انتهاكاتهم.
السبب الثالث: أفرز طول أمد الحرب صراعات حادة في معسكر المناهضين للانقلاب الحوثي كان يفترض أن تطفوا إلى السطح بعد الانتهاء من استعادة الدولة في اليمن، وخلقت العديد من بؤر التوتر السياسي والمناطقي والأيديولوجي التي تضخمت بعد ذلك، في الوقت الذي كان يفترض فيه إعادة التوازن لمؤسسة الشرعية وإشراك كل القوى والمكونات الفاعلة على الأرض وطمأنتها بأنها لن تتعرض للإقصاء في المرحلة التالية للتحرير.
السبب الرابع: تحول الفساد ونشوء اقتصاد الحرب إلى وسيلة لإثراء بعض القيادات السياسية والعسكرية التي كانت على عاتقها مهمة مواجهة آثار الانقلاب الحوثي وإدارة المعركة ضد المشروع الإيراني المتحفز في اليمن، كما نشأت شبكات مصالح عابرة للاصطفافات، تشاركت فيها قيادات من طرفي الحرب، وتركزت هذه المصالح في قطاعات بالغة الحساسية مثل القطاع المصرفي والنقدي والاتصالات وتجارة المشتقات النفطية، وكانت تأثيرات الفساد وآثاره أكثر كارثية في المناطق المحررة، في الوقت الذي عملت فيه القيادات الحوثية المنخرطة في هذه الصفقات المشبوهة على توظيف هذه الحالة لصالحها ولصالح مشروعها في ذات الوقت، وقد ألقى هذا الأمر بظلاله على المناطق الخاضعة لسلطة الشرعية والتي لم يتم تقديم نموذج إيجابي فيها لدور السلطة الشرعية، نتيجة التدهور في منظومة الخدمات والوضع المعيشي وانهيار العملة الوطنية في المحافظات المحررة.
السبب الخامس: تفاقمت بشكل متسارع حالة الاصطفافات السياسية والحزبية والأيديولوجية والمناطقية، وانهمك قسم كبير من السياسيين في محاولات الاستحواذ على مؤسسات الشرعية والمناطق المحرّرة وإقصاء قوى ومكونات أخرى، الأمر الذي ولّد مشهدا هشا ومفككا استطاع الحوثيون النفاذ من خلاله وتوظيفه في تحقيق أهدافهم السياسية والعسكرية والإعلامية.
السبب السادس: سرّع الخلاف الخليجي من تفكك جبهة المناوئين للحوثي، وبلغ الأمر ذروته بعد إنهاء مشاركة قطر في التحالف العربي في العام 2017، حيث عملت بشكل علني على إرباك المشهد اليمني في جبهة الشرعية، عبر تغذية الصراعات الأيديولوجية ودعم طرف داخل الشرعية أخذ في الاتساع ومهاجمة التحالف وبعض القوى والمكونات المشاركة في مواجهة الحوثي، إضافة إلى استخدام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من قبل هذا التيار بكثافة لخلط الأوراق وتأجيج الخلافات الداخلية، واستهداف الشركاء المفترضين في مواجهة الحوثي وإغفال انتهاكات وممارسات المشروع الإيراني في اليمن، والإيحاء بوجود أهداف خفية للتحالف في اليمن من بينها السيطرة على الموانئ والجزر وهي ملفات تسببت في خلق حالة من الضبابية التي حجبت عن الكثير من اليمنيين المناوئين للانقلاب الحوثي الحقيقة وقلبت سلّم الأولويات، بحيث لم يعد الحوثي هو العدو الأول.
السبب السابع: لم يتم العمل على بناء جيش وطني مهني وفقا للمعايير العسكرية في الحكومة الشرعية، وتم الاعتماد بدرجة أساسية على رجال القبائل ومنحهم رتبا عسكرية للقيام بدور مواجهة الحوثي، كما برزت العديد من العوامل من بينها إزاحة بعض ضباط الجيش المؤهلين لصالح آخرين وفقا لمعايير الحزبية والولاء الشخصي، وتم الحديث في هذا السياق مرارا عن وجود الآلاف من الأسماء الوهمية في قوائم الجيش ممن يتلقّون الرواتب الشهرية.
وإلى جانب الخلل الذي رافق بناء الجيش الوطني اليمني والذي وصل إلى مرحلة يصعب عكس نتائجها، تم تجاهل أحد أبرز ملامح تفوق الحوثيين عسكريا وسياسيا وهو العمل الاستخباري، حيث لم تول الشرعية اهتماما كافيا لإعادة بناء جهازي الأمن القومي والأمن السياسي والاستخبارات العسكرية للتصدي لأنشطة الحوثيين في هذا المجال والتي ظهرت بعض آثارها المدمرة من خلال اختراق الحوثيين لمؤسسات هامة وتنفيذ عمليات في بعض المحافظات المحررة، والإخلال بالأمن في تلك المناطق لعكس صورة سلبية ومشوهة عن أداء الحكومة المعترف بها دوليا