اراء وكتاب

عيدروس النقيب يكتب…الحكومة المشروخة

#نِداء_حضرموت

كتب / د.عيدروس النقيب

كشفت الاحتجاجات التي شهدتها عدن وأبين وحضرموت وشبوة ولحج في الأيام القليلة الماضية عن حالة من لتسطيح والتجويف المخطط والممنهج للخطاب الإعلامي لدى الكثير من المنابر الإعلامية الحزبية وغير الحزبية، اليمنية والخليجية.
إنني لا أتحدث عن ذلك الذي ظهر على إحدى القنوات التلفيزيونية ليقول لمتابعيه أن عدن صارت أفضل من الرياض وأن الحكومة غير معنية بدفع الرواتب للموظفين والكف عن سياسة التجويع وحرب الخدمات، وأن على الجنوبيين أن يذهبوا ليموتوا في مأرب، فمثل هذا ينبغي أن يعرض على طبيب أمراض عقلية وليس على محطة تلفيزيونية، بل إنني أتحدث عن قنوات فضائية وصحف ومواقع إعلامية لها جمهورها ومتابعيها وعن كتاب ومثقفين نفترض أنهم معتبرين، من الذين يمكن أن نختلف أو نتفق معهم، لكنهم في الأخير ذوي حضور إعلامي يجب أن يؤخذ بالحسبان.
الأحداث كشفت لنا مجموعة من الحقائق المؤسفة التي لا تنبئ بأن الأمور ستسير باتجاه الانفراج لا في الجنوب ولا في الشمال، ومن هذه الحقائق:

1- إننا أمام حكومة مشروخة إلى قسمين، قسم يعمل على الأرض ويمارس نشاطة، بفعالية أو بعدم فعالية لكن من داخل العاصمة عدن، وهو المناط به تنفيذ المهمات الواردة في اتفاق الرياض وهي أصلا مهمات تقع على أي حكومة، كما في كل بلدان العالم، لكنه لا يملك من أدوات القيام بمهماته وتنفيذ وظائفه إلا المكتب والهاتف، والأوراق وربما الختم.
وقد قال لي زميل من المقربين من مجلس الوزراء أن الحكومة لا تستطيع التوجيه بصرف مبلغ لشراء جهاز للتشخيص بالرنين المغناطيسي MRI ولا تسديد كلفة علاج عشرة جرحى من المقاتلين الذين يواجهون الحوثيين في الضالع وكرش، والصبيحة ومكيراس، ولا حتى مأرب وتعز وحجة، كما لا تستطيع تشغيل محطات الكهرباء لعدن وحدها ست ساعات متواصلة في اليوم والليلةإن النصف الآخر من الحكومة المشروخة، هو نصف خفي لا يوجد في عدن ولا حتى في مأرب أو تعز أو سيؤون، بل يقيم في الرياض منذ ست سنوات، وهو من يتحكم بالموارد وبمخرجات السياسة وصناعة القرارات، وهو الذي كان قد عبر عن اعتراضه على تشكيل هذه الحكومة وعلى اسم رئيسها منذ البدء من خلال حملة التشهير والتشويه ضد رئيس الحكومة قبل تكليفه بالمهمة، وهذا النصف يسعى بكل ما يمتلك من سطوة ونفوذ وأداوات لتعطيل أي سبب يمكن أن يساعد الحكومة (المعلنة) في تحقيق اصغر النجاحات.

2 – لسنا معنيين لا بالدفاع عن رئيس الوزراء ولا حتى عن الوزراء بما في ذلك الزملاء الذين نعرفهم حق المعرفة ونثق في نزاهتهم وكفاءتهم ومهاراتهم القيادية، لكننا نقول الحقيقة التي صارت مرئية لكل ذي عينين، وهي أن الحكومة (المرئية) التي في عدن هي في طريقها إلى الفشل من خلال وضعها وجها لوجه أمام المطالبين بحقوقهم المشروعة التي يفترض أن يحصلوا عليها في مواعيدها الروتينية دونما حاجة حتى إلى رسالة تذكير، وليس إلى مسيرة احتجاج ومظاهرة وإضراب.

3- إن الكثير من الإعلاميين والسياسيين المتحايلين والمتحاذقين، يتعمدون عزل النتيجة عن السبب، ونحن نتحدث هنا عن فعاليات المتقاعدين العسكريين في عدن وبقية المحتجين في محافظات الجنوب، فقد حول هؤلاء (المتحاذقين) ما يسمونه بــ”اقتحام قصر المعاشيق” إلى (مشكلة) وراحوا يبحثون عن حل لهذه (المشكلة)، التي هي أصلا لا (مشكلة) ولا حتى عرض من أعراض (مشكلة)، لكنهم يتحاذقون معتقدين أنهم سيرهبون أصحاب المطالب المشروعة، بتتويههم عن حقوقهم، واتهامهم بجريمة “الاقتحام” المفتعلة، وتجاهل الجرائم الحقيقيةالمتمثلة بالتجويع والسطو على المرتبات وتعطيل الخدمات والتغافل عن نشاط الجماعات الإرهابية، وبدلا من محاسبة المتسبب بكل هذه المشكلات، ظهر من يقول أن الحل هو تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض.

ومن الطبيعي أن لا أحد يعترض على تنفيذ هذا الشق من الاتفاق، مع الإشارة إلى أننا نفهم هذا الشق على إنه يعني حشد كل الطاقات والقوى المادية والبشرية لمواجهة الحوثيين في جبهات التماس، وهناك من يفهمه على إنه يعني نقل القوات الشمالية إلى عدن وأبين ولحج والضالع، حتى لو أدى هذا إلى سقوط مأرب وتعز بيد الحوثيين كما سقطت قبلها الجوف ونهم والبيضاء وصرواح وعتمة وحجور، لكن السؤال هو: حتى لو سلمنا بمفهومهم لتنفيذ هذا البند، فهل وجود القوات الشمالية في عدن سيؤمن الناس من خوف، وسيطعمهم من جوع؟ وهل هذا سيضمن دفع مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين بمن فيهم المتقاعدين، ليستقبلوا شهر رمضان بأمان وبثقة بأنهم سيستطيعون توفير قيمة الشربة والسنبوسة؟ وهل سيوفر الطاقة الكهربائية ومياه الشرب النقية ويوفر الدواء ويقضي على الوباء؟ وهل سينهي الجريمة المنظمة، ويعيد الخدمة الطبية المجانية من خلال مستشفيات الحكومة التي ظلت تقدم هذه الخدمة كاملة متكاملة ولكل أبناء الجنوب حتى صبيحة 22 مايو 1990م؟

وضع الحكومة المشروخة يصنع ثقافة مشروخة وإعلاماً مشروخاً ومشوهاً ومخادعاً لا هم له إلا إدانة الضحية والدفاع عن الجلاد، وتبرئته والإشادة بجرائمه واعتبارها منجزات وطنية تسمو إلى درجة المعجزات.
ولله في خلقه شؤون.

إلى الأعلى