نداء نيوز – متابعات
“الحرب الأميركية الروسية يمكن أن تبدأ خلال عامين، وربما الربيع المقبل!”، عنوانٌ مثير لمقال كتبه الباحث السياسي الروسي ألكسندر نازاروف.
وتطرق نازاروف فيه إلى مستقبل العلاقات بين واشنطن وموسكو في ظل الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن.
ويبدو أن ما طرحه نازاروف مجرد واحد من السيناريوهات بما قد تكون عليه تلك العلاقات بين الدولتين في السنوات المقبلة.
ووضع باحثون سياسيون في أحاديث منفصلة مع موقع “سكاي نيوز عربية” عدة سيناريوهات للعلاقات بين واشنطن وموسكو.
وأقرت واشنطن في 2 مارس الجاري، عقوبات على شخصيات وكيانات في روسيا، وذلك بالتنسيق مع خطوات مماثلة اتخذها الاتحاد الأوروبي، على خلفية قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني.
وهذه المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على موسكو في تلك القضية، وذلك بعد امتناع إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب عن فرض عقوبات.
ويأتي ذلك اتساقا مع ما تعهد به بايدن إبان فترة الانتخابات الرئاسية من مواجهة التحركات الروسية، وهو الملف الذي استخدمته حملته بشكل واسع في الهجوم على ترامب وسياساته حيال موسكو.
وتعكس تلك العقوبات جانبا من سيناريوهات العلاقة بين موسكو وواشنطن في عهد بايدن، خلافا لما كان عليه الوضع إبان ولاية ترامب، الذي سبق وواجه انتقادات بشأن ما وصفه منتقدوه بـ “التهاون والتساهل إزاء السياسات الروسية”.
وتزايدت الانتقادات بعد قمة هلنسكي في العام 2018 التي أكد خلالها ترامب دعمه لموقف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن الذي ينفي تدخل موسكو في الانتخابات الأميركية في عام 2016، وهو الموقف الذي كان دافعاً لتقارير إعلامية تساءلت ، بعد القمة، عن ما إذا كان ترامب قد صار “في جيب بوتن”.
مقدمة لمحاسبة موسكو
في تصور المستشارة السياسية في واشنطن الكاتب السورية الأميركية مرح البقاعي، فإن تلك العقوبات التي فرضت جزاءً على استهداف المعارض نافالني من طرف للأجهزة الروسية “مجرد مقدمة للشروع بمحاسبة حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على الانتهاكات بحق المعارضة، ضمن برنامج الدفع بحقوق الإنسان إلى الواجهة، وهو الشعار الذي تعتمده إدارة بايدن وكان جزءاً أساسيا من حملة الرئيس التي أوصلته إلى البيت الأبيض”.
تترافق هذه العقوبات مع دفع الكونغرس باتجاه المصادقة على مشروع قانون “أوقفوا القتل في سوريا”، وهو المشروع الذي قدمته إدارة ترامب قبل مغادرتها، بحسب البقاعي، التي قالت في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “روسيا تتحدى واشنطن في مواقع نفوذها وفي الملفات الدولية، مثل سوريا وأوكرانيا، ذلك أن الولايات المتحدة لها دور مؤثر.
وأمام تلك المعطيات، فإن العلاقات بين البلدين ستكون “متوترة” حسب ما يبدو توجه إدارة بايدن؛ بسبب عدم امتثال موسكو للقرارات الدولية التي تتعلق بتدخلاتها العسكرية خارج حدودها.
وعن مدى ذلك التوتر وأبرز السيناريوهات، أوضحت المستشارة السياسية أن “البدء دائماً ما يكون بالضغط الدبلوماسي والاقتصادي، وإن لم تفلح العقوبات فدائماً تتوفر على طاولة البنتاغون كل الخطط اللازمة حين اللزوم. وقد رأينا أول الطلعات الأميركية المباشرة في شرق الفرات، وقيام طائرات إف 15 بقصف أهداف الميليشيات الإيرانية هناك والتي تعتبرها واشنطن تهديداً للأمن القومي الأميركي وأمن العالم”.
اللعب بالنار
وتنظر روسيا إلى تلك العقوبات المفروضة أخيرا من أوروبا والولايات المتحدة بأنها “لعب بالنار”، على حد تعبير المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا، التي قالت إن تلك العقوبات تمثل انتصاراً لـ “العبثية” وهي بمثابة “هجوم معادٍ لروسيا” واستفزاز متعمد.
وهاجمت البيت الأبيض، زاعمة أنه “يسعى لحل مشاكله الخارجية من خلال ترسيخ صورة العدو الخارجي”، في سياسة وصفتها بأنها “تخلو من المنطق وتؤدي لإضعاف العلاقات”. وتعهدت بالرد بالمعاملة بالمثل.
لا أمل
وفي ضوء تصاعد التوتر على ذلك النحو، فإن الباحث بمؤسسة أميركا الجديدة باراك بارفي، أوضح أنه “لا أفق جديد للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ، وذلك بتأكيده على أنه “لا أمل في أي تقدم للعلاقات بين البلدين في ضوء الوضع الراهن، وأعتقد بأن الروس أنفسهم أيضاً لا يريدون تقدماً”، مشيراً إلى العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على روسيا بوصفها مؤشر مؤكد على ذلك.
وشدد المحلل السياسي في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” على أن “هناك تراجعاً كبيراً في العلاقات، وجميعنا نعرف ما صرّح به الرئيس بايدن في مرحلة الانتخابات الرئاسية بأنه يتجه لإجراء مراجعة لمجمل العلاقات بين واشنطن وموسكو، بوصف الروس يشكلون خطرا على المصالح الأميركية في العالم”.
ولفت إلى أن “دور روسيا في عدد من بلدان المنطقة (خاصة في سوريا وليبيا) وفي أفغانستان، وكذا عمليات القرصنة الإلكترونية، فروسيا لا تعمل مع الأمم المتحدة أو الدولة الأوربية لإيجاد حل للأزمتين (ليبيا وسوريا)”.
وأفاد بأن “الإشكالية الكبرى أن روسيا تفكر كما لو كانت دولة كبيرة على غرار الاتحاد السوفيتي، وتنتظر من الأميركان محادثتهم والتنسيق معهم قبل اتخاذ أي قرار، على خلاف الحقيقة وهي أن روسيا أضعف اقتصادياً”.
وتابع: “يُنظر إلى بايدن بأنه كان جزءًا من إدارة إدارة ترامب، تلك الإدارة التي لم تكن علاقاتها جيدة أبداً بالروس، وبالتالي يُتوقع مراجعة شاملة للعلاقات”، على حد قوله.
وبموازة ذلك، تحذر موسكو من “جولة جديدة من المواجهة” بين البلدين. كما جاء على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية، والتي ذكرت في إفادة صحفية بأن “واشنطن لا تدرك أن الزمن قد تغير، ومحاولات إملاء الحقائق الجيوسياسية الحديثة تأتي بنتائج عكسية لمن لا يستطيع رفضها”.
وذكرت أنه “بدلا من الانجرار إلى جولة جديدة من المواجهة، يجب على الولايات المتحدة أن تحرص على الوفاء الصادق بالتزاماتها، على سبيل المثال، تدمير الأسلحة الكيميائية، التي لم تمتلكها روسيا منذ العام 2017”.
مزيد من التوتر
وعلى رغم تلك التحذيرات وما تعكسه التصريحات الروسية من توتر واسع، فإن المحلل السياسي الأميركي مهدي عفيفي، استبعد إمكانية أن تصل العلاقات إلى مزيد من التوتر في الفترة المقبلة بين البلدين، مردفاً في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لا أعتقد بأن العلاقات ستصل إلى حد المواجهة، لكنّ الأكيد أن الرئيس بايدن سوف يستمر في فرض عقوبات على روسيا”.
واتفق مع تأكيدات بارفي والبقاعي في مسألة مراجعة العلاقات بين البلدين في عهد بايدن، وذلك بالإشارة إلى أن “هناك تراجع عن سياسات ترامب، على اعتبار أن ما قام به الأخير حيال روسيا مثّل بشكل واضح إهمالا وتركا للحبل على الغارب لروسيا تفعل ما تشاء”.
وبحسب المحلل السياسي، فإن “العلاقات بين موسكو وواشنطن تتسم بتعدد الملفات والمصالح، وهي ليست علاقات ثنائية عادية (..) وبموازاة التوتر فثمة تفاهمات في بعض الملفات، وبالتالي لا يُمكن توقع صدام عنيف بين الطرفين، بينما يمكن وصف الأمر بالتنافس”.
ويلعب الملف السوري دورا في تحديد جانب من سياق العلاقات بين البلدين، ففي الوقت الذي تحدث فيه الباحث بمؤسسة أميركا الجديدة عن مسألة الدور الروسي في سوريا وموقف واشنطن.
وفيما استدلت البقاعي بالضربة الأميركية الأخيرة على سوريا، تطرق عفيفي للمسألة نفسها، بالتأكيد على أن الحضور الروسي القوي في سوريا واحتفاظ موسكو بقاعدتين عسكريتين (جوية وبحرية) وتحركاتها هناك تثير الجانب الأميركي، بينما في الوقت نفسه فإن موسكو تعترض على ضربات أميركا داخل سوريا.
وأوضح أن “روسيا تعتبر سوريا ضمن المناطق المسيطرة عليها فعلياً.. والولايات المتحدة ترى أن التدخل الروسي هناك يمثل زيادة في توسيع روسيا لتواجدها في الشرق الأوسط”.