نداء حضرموت – منوعات
في الأيام الأخيرة، تقاسم مغنو الراب صدارة “التريند” في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، وهي ظاهرة تكشف مدى رواج هذا اللون الغنائي حاليا إلى درجة أنه فرض نفسه على الساحة الغنائية.
ولم تحتاج أغنية “غابة” لمغني الراب مروان بابلو العائد من الاعتزال، سوى بضع ساعات بعد إصدارها، لتتخطى حاجز المليوني مشاهدة، وتحتل صدارة “التريند” في “يوتيوب” بعديد من الدول العربية وليس مصر فقط.
كما أدت الحرب الغنائية بين أشهر مغنيين الراب المصريين “أبيوسف” ومروان موسى وغيرهم من الفنانين، إلى زيادة نسب مشاهدة أغاني هؤلاء الفنانين، وتحولها إلى “تريند”.
وقدم كل واحدٌ منهم، أغنية يهاجم فيها الآخر، وهذا ليس جديدًا على عالم الراب.
يذكر أن الراب هو نوع من أنواع الغناء وأحد فروع ثقافة “الهيب هوب” الرئيسية، كما انتشر عالميًا بعد نجاحه في الولايات المتحدة خلال سبعينيات القرن العشرين، وزادت شهرته في مصر خلال الآونة الأخيرة.
ليبقى السؤال الأهم، كيف جذب “الراب” الجمهور المصري ليحتل تلك المكانة في الساحة الغنائية؟ وإلى أين سيصل في الأعوام القادمة؟
فن يشبه جيله
ويقول مغني الراب المصري، أحمد صالح الشهير بـ”لورد”، وأحد مؤسسي أشهر برنامج “باتل راب” في مصر “rap or die”، إن تطور هذا اللون الغنائي الشاب، أتى بعد سنوات من التعب، وإصرار مغني الراب على الوصول إلى أكبر قطاع ممكن من الجمهور، من خلال تطوير الموسيقى والمضمون في كل عمل فني عن الذي يسبقه، هي رحلة شارك بها أكثر من جيل، وليس جيل بعينه، لنصل في النهاية إلى تلك النتيجة”.
يشار إلى أن “الباتل الراب”، هو مبارزة غنائية بين شخصين أو فريقين من مغني الراب، يحاول خلالها أحدهما الانتصار على الآخر، اعتمادًا على مهارات هذا اللون الغنائي، واستغلال نقاط الضعف عند الخصم، ويكون الحكم للجمهور أو للجنة تحكيم.
وأضاف صالح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “ندرك جيدًا أن الجمهور وخاصةً جيل الشباب، الذي ينتمي معظمنا إليه، قد مل الألوان الغنائية القديمة، وما تقدمه من مواضيع تقليدية، فأصبحنا نتحدث عمّا نعيشه بصدق، وهذا ساعد على انتشار أغانيينا أكثر، فيشعر المستمع أننا نتحدث عن الواقع الذي يعيشه، وليس واقف مزيف، لا يعلم عنه شيء”.
وتابع: “الطفرة الحالية في الراب المصري، تعود إلى قرار الجيل الحالي بالوصول إلى قطاع جماهيري أكبر، وتقديم ما يناسب لحدوث ذلك، من خلال منتجات فنية متكاملة وغير تقليدية سواء على مستوى التصوير أو الموسيقى والكلمات والأداء”.
ويرى “لورد” أن استخدام “الراب” في الإعلانات خلال الفترة الأخيرة خطوة إيجابية، لانتشاره أكثر وأكثر، “الراب سيكتسح المشهد الغنائي بمصر في الأعوام المقبلة، وما يحدث الآن مجرد بداية فقط”.
ولم يعد “الراب” يقدمه فقط فنانو هذا النوع الشبابي، بل انضم لهم عدد من كبار الممثلين في مصر مثل محمد هنيدي وماجد الكدواني، حيث ظهروا في إعلاناتهم الأخيرة بمظهر مغنيين الراب، بالإضافة إلى إطلاق الإعلامي المصري جابر القرموطي أغنية راب بعنوان “ست فوق الأربعين”، في بداية فبراير الجاري.
وفي تصريحات سابقة لموقع “سكاي نيوز عربية”، أوضح القرموطي أنه وجد أن الراب هو اللون الغنائي الأفضل للتواصل مع الشباب المصري في الجيل الحالي، لذا وقع اختياره عليه، في إشارة واضحة، لنجاح “الراب” في الفترة الأخيرة بمصر.
حرب غنائية “بيف”
ويوضح صالح أن الحرب الغنائية بين مطربي الراب حاليًا، لا تصل إلى معارك في الشوارع، كما يعتقد البعض، وأن هذا كان يحدث قديمًا فقط.
وتابع: “الآن، أدرك مغنو الراب أنهم تحولوا إلى نجوم مجتمع، وأن سلوكهم يؤثر في مستمعيهم، لذا الحروب الغنائية أو “البيف”، كما نطلق عليها، مجرد أغاني يهاجم فيها الفنان، مغني راب آخر، وينتهي الأمر عند ذلك، ويكون الرابح في تلك الحروب الغنائية، هو المستمع، لعدد الأغاني الكبير التي تنتج عنها”.
وأضاف “نشعر حاليًا بالمسؤولية، فكان في البداية جمهور الراب محدودا، لكن مع زيادة القاعدة الجماهيرية، أصبحت هناك معايير أقوى، لنجعل المنتج مناسبًا ليسمعه الجميع، وهذا أجبرنا نسبيًا على تعديل أسلوب الكتابة والارتقاء به، مع الحفاظ على روح “الراب” وحماسيته، التي يفضلها الجمهور منذ بداية ظهوره في مصر، منذ أكثر من 20 عامًا”.
وأردف: “الجمهور خاصةً الشباب منهم، عاش رحلة نجاحنا معنا، ودعمنا منذ البداية، ويشعر أنه شريك في تلك المسيرة، وهذا حقيقي، وبهذا الدعم سنصل إلى أكبر نجاح ممكن”.
غزارة الإنتاج
ويوضح صالح أن الفارق الأكبر بين مغني الراب وبقية الفنانين، هو أن أغلب فناني الراب يقومون بالكتابة لأنفسهم، كما أن لديهم القدرة على الإنتاج بغزارة، “نحن ننتج أكثر من أي مجال غنائي آخر، وعددنا أكبر، ولا تواجهنا نفس القيود، التي تعيق الأخرين، الأمر يتعلق بجودة منتجك الفني، وإذا كان جيد، بالطبع سيدعمك جمهور الراب”.
وأشار مغني الراب المصري إلى نجاح كثير من مطربي الراب، خلال تلك الطفرة الحالية، مؤكدًا أنها فرصة لظهور مزيد من المغنيين، “المجتمع تقبل هذا النوع الآن، وهي فرصة ذهبية ليبرز كل فنان موهبته أمام الجمهور”.
وختم: “نوعد الجمهور باستغلال دعمهم، وتطوير المجال أكثر في الفترة المقبلة، فمهما كانت الخلافات، فجميع مغني الراب في مصر، لديهم هدف واحد، وهو الوصول لأكبر نجاح وأكبر قاعدة جماهيرية ممكنة”.
مستقبل الراب
“في بلد تضم أكثر من 100 مليون مواطن، بالطبع تتسع الساحة الغنائية الخاصة به، لكل الألوان الغنائية سواء قديمة أو جديدة، ولا يمكن أن ينتصر أحدهم على الآخر”، هكذا استهل الناقد الغنائي محمد شميس حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية” حول الراب في مصر، وما يمكن أن يصل إليه في الفترة المقبلة.
وأضاف شميس “لكل تجربة جديدة، بريقها الخاص، الذي يجذب الجمهور، خاصةً إذا كان مضمونها حقيقي، ويشبه حيواتهم، ويعبر عنهم بحق، وهذا ما ينطبق بنسبة كبيرة على أغاني المهرجانات، وبنسبة أقل على أغاني الراب، وهذا ما تقوله الأرقام”.
كما يرى شميس أن “الراب” انتقل من أميركا إلى بقية العالم، لكن مازال متأثرًا بموطنه الأصلي في كل الدول التي انتقل إليها، على عكس المهرجانات، لأنه لون غنائي وُلد في مصر، وأصبح جزء من “الفلكلور” المصري.
والمهرجانات نوع غنائي جديد نسبيًا، بدأ في الظهور في مصر خلال السنوات الأخيرة، خاصة في المناطق الشعبية، وشق طريقه إلى الجمهور العربي عبر الإنترنت ولا سيما “يوتيوب” حيث حقق مئات الملايين من المشاهدات.
وفي السياق ذاته، أكد شميس أنه لا يمكن التنبؤ بمستقبل “الراب”، “ما يحدث الآن مجرد طفرة، بعد انتهائها، سيصل “الراب” إلى مكانته الحقيقية، والتي لا نعلم أين ستكون”.
تاثير قوي على الشبكات
“الراب يشبه قطاع من الجمهور، وهو جيل الشباب، الذي له تأثير قوي على “التواصل الاجتماعي”، ظهرت طفرات غنائية كثيرة في مصر عبر التاريخ، لكن من يمكنه الاستمرار؟ هذا متروك للزمن، خاصةً أن الوصول لنجاح صعب، لكن الاستمرارية به أصعب”، بحسب الناقد الغنائي.
وأردف: “الراب لا يعبر عن هويتنا المصرية، ويجب أن يهتم مغنو الراب بأن تكون مضامين أغانيهم تقترب أكثر من طبيعة المجتمع المصري، فلا توجد عصابات هنا في الشوارع، ولا يحمل أحد سلاح، ولا نرتدي أزياء مشابهة، لكنه بالطبع يؤثر في الشباب، ولكن هل يمكن أن يصل لقطاع أكبر من الجمهور؟ لا أظن في ظل الأعمال الفنية المقدمة حاليًا”.
وأوضح الناقد الغنائي أن “المهرجانات والراب، وأي لون غنائي جديد بشكل عام يظهر في مصر، يعد ظاهرة جيدة، لأن هذا يصنع مساحة تنافسية بين فناني الألوان المختلفة، وهذا يصب في مصلحة المستمع المصري والعربي”.
وردًا على مهاجمي الألوان الغنائية الجديدة، يقول شميس: “أتعجب من وجود من يحاول منع انتشار لون غنائي معين، متخيلًا أنه يمكنه الوقوف أمام رغبة الجمهور، كما أن وجود منصات إلكترونية متنوعة تتيح للجميع طرح أعمالهم الفنية، يحول دون قمع أي فن في أي مكان، فإذا كنت لا يعجبك أي نوع من الفنون، فعليك إنتاج فن مقابل، وتترك الحكم للجمهور”.
وختم: “لا يمكن لأحد أن يعرف المستقبل، وأي لون غنائي سيتصدر المشهد في مصر، لكن التنوع الفني هو المكسب الحقيقي من تلك الفترة”.