نداء حضرموت – متابعات
على مدار العقود الماضية تعتبر قضية الإيجارات القديمة واحدة من الأزمات التي تؤرق المجتمع المصري، “فكيف لشقة في أرقى الأحياء أن يكون إيجارها بضعة جنيهات؟”. هكذا يتساءل صاحب الشقة، غير أن المؤجر يرى أنه يعتمد على عقد واضح وصريح يثبت أحقيته في التأجير لمدة 59 سنة قابلة للتجديد بنفس القيمة الموضوعة في العقد.
وقد دفع هذا الأمر النائب أحمد عبد السلام قورة، عضو مجلس النواب المصري، إلى تقديم مقترح للمجلس بتعديل قانون الإيجارات القديمة، وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، رقم 136 لسنة 1981، بهدف “تحقيق التوازن في علاقات الإيجار القديم ورفع الظلم الواقع على غالبية ملاك الشقق القديمة” حسبما أكد لـ”سكاي نيوز عربية”.
ويؤكد عضو مجلس النواب أنّ “العلاقة بين المالك والمستأجر يجب أن تكون متوازنة، ولابد لقرار حاسم لمواجهة الإيجارات القديمة التي حددها الجهاز المركزي للتعبئة العامة ولا إحصاء بنحو 3 ملايين و20 ألف وحدة، من بينها أكثر من مليون وحدة مغلقة دون استغلال”.
تضمن مقترح قورة، تعديل 6 مواد فقط في القانون، أبرزهم إمكانية إخلاء الوحدة المؤجّرة حال غلقها لمدة 3 سنوات لغير غرض السفر، أو مرور المدة نفسها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المُستأجر أو زوجته أو أولاده القصر، أو استفادته من الحصول على مسكن من برامج الإسكان التي تُقدمها الدولة.
وتابع قورة في حديثه مع “سكاي نيوز عربية” إنّ “مع مرور الزمن تبقى القيمة المالية للإيجار ثابتة لا تتغير وتعتبر لا قيمة لها، بجانب أن أصحاب الشقة يستطيعون توريثها لأبنائهم دون وضع قواعد تراعي زيادة هذه القيمة الإيجارية مع معدلات التضخم وزيادة الأسعار”، محذرًا من تأجيل الإصلاح الذي يزيد من تعقيد الأزمة.
ونوّه قورة إلى أنّ “عدد من العلماء يرون أن عقد الإيجار في الشريعة الإسلامية لابد وأن يكون محددًا المدة والقيمة والمنفعة، فإذا خلا من ذلك كان عقدًا غير صحيح شرعًا، وعقد الإيجار المؤبد الذي يمتد تلقائيًا رغم عن إرادة المؤجر يعد عقدًا باطلًا لعدم توافر الرضا بين الطرفين، وكل عقد يداخله الغش والإكراه فهو عقدًا غير صحيح شرعًا “.
من بين التعديلات التي وضعها النائب المصري، تحديد حد أدنى للأجرة 200 جنيه للوحدات السكنية، و300 جنيه للوحدات الإدارية، أو 50 بالمئة من قيمة الأجرة القانونية المُتخذة أساسًا لحساب الضريبة العقارية لوحدة المثل، ما يعنى أن ترتفع الأجرة مع تحسن مستوى معيشة الساكن أو حال الوحدة ذاتها، فضلا عن زيادة تدريجية للأجرة بنسبة 10 بالمئة سنويًا.
إلغاء التوريث
ويقول الدكتور الحسين حسان، خبير التنمية المستدامة والمناطق العشوائية، ورئيس اتحاد مؤسسات أفريقيا للعشوائيات في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”، إنّ “عدد شقق الإيجار القديم يتجاوز 5 ملايين شقة وعقار، وقانون الإيجار القديم الحالي لا يمكن أن يستمر كما هو الآن، فلابد من المطالبة بحقوق الملاك كاملة”، متسائلًا “كيف توجد محال ومناطق في وسط القاهرة قيمتها ملايين الجنيهات، وقيمتها الإيجارية لا تزيد عن جنيهات قليلة؟”.
وتابع حسان، “الإيجارات القديمة لم ترتفع منذ تطبيق قانون الإيجار القديم في القرن الماضي، ولم يستطع المالك أن يصحح من أوضاعه الاجتماعية خاصة في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار طوال هذه السنوات، وأصبح الملاك مجرد منظمين للعملية الإيجارية ولا يمتلكون حرية التصرف في أملاكهم”.
وأوضح خبير التنمية المحلية في حديثه مع “سكاي نيوز عربية” أنّ “هناك من المباني القديمة أجزاء تستحق الإزالة، وآخرى يجب عليها الترميم السريع، فهناك خطورة على المستأجرين من المباني الآيلة للسقوط في الإيجار القديم”.
وعن الحلول يرى حسان أنّه “يجب وضع بنود اتفاق تكون عادلة للمالك والمستأجر، وإعادة تقييم المباني الخاصة بالإيجار القديم من قِبل الجهات المختصة في كل محافظة، وإزالة أي مبان غير سليمة وتمثل خطورة على حياة ساكنيها، أما المباني السليمة إنشائيًا يجب زيادة الإيجارات لتتناسب مع الزيادة المستمرة للأسعار”.
وأشار رئيس اتحاد مؤسسات أفريقيا للعشوائيات، إلى أنّه “يجب إلغاء فكرة التوريث في الإيجارات القديمة التي مضى عليها عشرون عاما فأكثر، وحينها يكون هناك خيارين إما زيادة الإيجار بعقد يحمل اسم الوريث أو الإخلاء، ومراعاة البعد الاجتماعي للمالك والمستأجر من خلال وزارة التضامن الاجتماعي، ودراسة الحالة الاجتماعية لهم، وتوفير بدائل فورية للمباني الآيلة للسقوط”.
من بين الاقتراحات الذي تقدّم بها النائب المصري أحمد عبد السلام قورة، إنشاء صندوق لدعم المُستأجر غير القادر، تكون حصيلته من حصيلة الضريبة العقارية التي تترتب عن الوحدات المُخلاة وفقًا للقانون ولمدة 5 سنوات.
حوار مجتمعي
المهندس طارق شكري وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب ورئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات يؤكد أنّ “طرفي القانون لهم أهمية بالغة، فالمالك والذي له حقوق ويعاني من انخفاض قيمة العقار، والمستأجر الذي قد يعاني هو الآخر من ظروف اقتصادية وخلافه يجب مراعاته هو الآخر، بدون المساس بكليهما”.
وأكد رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، أنّ إصدار قانون للإيجارات القديمة يتطلب أولًا إجراء حوار مجتمعي شامل، وأن يكون المقترح المقدم متوازن ويراعي مصلحة الجميع”، مشيرًا إلى أهمية قيمة المناقشات المجتمعية لمثل هذه التشريعات التي تخص غالبية المصريين، وتحكم علاقة الإيجار مع بعضهم البعض.
وأشار شكري إلى أنّه يجب وأن يكون هناك إحصاءً دقيقًا حول المباني القديمة وعدد وحدات الإيجار القديم، والمناطق الجغرافية الخاصة بها، لكي يتم الاستعانة بها عند الاستقرار على القانون، ومناقشة بنوده بشكل واضح في البرلمان وبحضور الجهات الرسمية المختصة عن ذلك.
قنابل موقوتة
في الوقت نفسه يشير الدكتور البشير سعد محمد أستاذ التخطيط العمراني، إلى أنّ “العقارات القديمة تعتبر أزمة كبير في حال مرور عدد كبير من السنوات، فتعتبر قنابل موقوتة في المجتمع المصري من الممكن أن تنهار في أي لحظة”.
وتابع أستاذ التخطيط العمراني أنّ “المباني القديمة لابد وأن يتم الحفاظ عليها كتراث أثري، وما يستعمل كإيجار قديم يتوارثه الأبناء يعتبر أزمة لأن العقار من الممكن وأن يكون غير مطابق للمواصفات الإنشائية من حيث السكن”، منوهًا أنّ “أزمة الإيجارات القديمة لابد وأن يكون لها حلًا قاسيًا على الجميع المالك والمستأجر، وما يخالف ذلك يتم توقيع عليه عقوبات رادعة”.
وأشار محمد في حديثه مع “سكاي نيوز عربية” إلى أنّ “عدد من المباني القديمة يتم هدمها الآن، وذلك بسبب استهلاكها الغير مطابق للمواصفات، وعدم وضع الترميمات اللازمة لها من خلال المختصين، فكل ما يشغل بال المستأجر هو الانتفاع بها لأكبر قدر ممكن قبل هدمها وذهاب ملكيتها للمالك مرة أخرى”.