كتب/ د. عيدروس نصر النقيب
أقدمت المليشيات الإصلاحية (المتسترة برداء الشرعية) وداعموها يوم أمس على ارتكاب جريمة جديدة يمكن أن تحبط كل مساعي التهدئة في جبهات المواجهة في أبين وغير أبين بين القوات التي تدعي أنها (شرعية) والقوات الجنوبية، من خلال استخدام تلك القوات لطائرات الدرون (المسيرة ) في الهجوم على مناطق القوات الجنوبية في الطرية شمال مدينة شقرة مما أدى إلى استشهاد ثمانية من المقاتلين الجنوبيين وجرح آخرين.
يعتقد قادة هذه المليشيات المتسترة بثوب الشرعية أنهم بذلك التصرف الأحمق قد أحرزوا تفوقا يمكن أن يغير في ميزان المواجهة، لكنهم لا يعلمون أن مجرد خرق وقف إطلاق النار، ناهيك عن اللجوء إلى هذه الوسيلة القذرة المثيرة للتساؤل والاستغراب والريبة، إنما يبرهنون على أنهم مصممون على عرقلة كل مساعي التهدئة والتسوية وعلى الخصوص تشكيل حكومة الكفاءات التي نص عليها اتفاق الرياض وآلية التسريع والتي ستتولى الإشراف على جميع الملفات بما في ذلك الملفين الأمني والعسكري.
يربط بعض المتابعين بين هذا التصرف للقوات المتسترة بثوب “الشرعية” وبين تصريحات زعيم حزب الإصلاح محمد اليدومي، التي أدلى بها بعد نجاحه في الوصول إلى اسطنبول، وقال فيها إنه لا تشكيل حكومة قبل تنفيذ شروطهم بحل الملف العسكري قبل السياسي، ويعتقد البعض أن رسالة اليدومي قد استقبلتها مليشيات حزبه في أبين، وها هي تنفذ مضمون الرسالة، لكن السؤال ماذا بعد هذا الخرق الفاضح لكل مساعي الأشقاء في التحالف الهادفة إلى العودة إلى أجواء السلم والسير نحو تشكيل الحكومة التي نص عليها اتفاق الرياض؟
هذا السؤال يمكن أن يرد عليه الأشقاء في دول التحالف الذين رعوا اتفاق الرياض ويحرصون مثلما يحرص الطرف الجنوبي على تنفيذه حرفيا مع آلية التسريع المتفق عليها بين أطراف الأزمة.
ومع هذا السؤال يبقى السؤال الآخر والأهم: من يزود الجماعات الإصلاحية وأتباعها بطائرات الدرون (المسيرة)؟ وإذا ما كانت الشقيقة السعودية هي من يزودهم بهذا السلاح فهل من أجل مواجهة قوات الحوثي؟ أم من اجل استخدامها ضد الجنوب والجنوبيين؟
وفي الحالتين فإن مهاجمة القوات الجنوبية بهذا النوع من السلاح (المفترض أنه سعودي) إنما يعني إن السعودية تقوم بنفسها بنسف اتفاق الرياض الذي رعته وقدمت له آلية لتسريع تنفيذه بعد أن استكمل عمره العام الكامل، ومن ثم عرقلة أي عمل يهدف إلى خوض المواجهة الحقيقية مع جماعة الانقلاب الحوثية في صنعاء، أما إذا كانت هناك أطراف أخرى هي من تزود هؤلاء بتلك الطائرات فيبقى السؤال؟ من هي هذه الأطراف وكيف أوصلت هذا السلاح إلى أيدي من يفترض أنهم أنصار للتحالف العربي ويعملون مع دوله على نفس الأجندة؟ وما موقف دول التحالف من كل هذا؟
يقول البعض أن هذه الأسلحة (الطائرات المسيرة وأسلحة أخرى ) قد تكون جماعات الإصلاح وأنصارها حصلت عليها عن طريق الجمعيات (الخيرية) التركية ويذهب البعض إلى ما هو أبعد وهو أن تكون الأسلحة إيرانية المنشأ تلقتها جماعة الإصلاح إما عن طريق صفقات سرية مع وكلاء إيران، أو من خلال تقاسم الدعم الإيراني المقدم للجماعة الحوثية والذي يمر عبر مناطق جنوبية تتمركز فيها القوات الحكومية (الشرعية) من صرفيت ونشطون وشحن في المهرة، حتى عاصمة محافظة مأرب، وفي هذه الحالة فإن المنتظر من قوات التحالف العربي موقفا واضحا يمكن على ضوئه التيقن من جدية الجميع الحرص على تنفيذ اتفاق الرياض ومواجهة المشروع الإيراني المقيت في اليمن والجزيرة العربية، والكف عن سياسات التسويف والاسترضاء لمن لا عهد لهم ولا ذمة حتى لو بلغت لحاهم الركب.
تتباهى الكثير من المواقع الإعلامية الإصلاحية وناشروها وكتابها بما يسمونها بالضربة المؤلمة التي وجهتها قواتهم للقوات الجنوبية، لكنهم لا يعلمون أنه لا الطائرات المسيرة ولا المدافع الطويلة المدى ولا كل التقنيات العسكرية الحديثة التي يحصلون عليها من المصادر المشبوهة، ولا الأموال القطرية والتركية يمكنها أن تلغي إرادة شعب يرفض مشروع الإذلال والضم والإلحاق الذي يحمله هؤلاء ويعتبرهم ومشاريعهم سببا في كل ما عاناه على مدى ربع قرن من الاجتياح والاحتلال والسلب والنهب.
قد يفوزون ببعض الجرائم، لكنهم إلى زوال بعد أن يتلقون دروسا أكثر قسوة وأشد إيلاما ما لم يجنحو للسلم الذي ندعوهم إليه ويعودوا من حيث أتوا.
الرحمة والمغفرة للشهداء الأبرار والشفاء للجرحى والعار كل العار لمن تخلى عن معسكره وجبهته ومنزله وجاء يبحث لها عن بدائل في أرض الجنوب.
(واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
صدق الله العظيم.