كتب / علي سالم اليزيدي
لا أدري كيف خطرت لي تلك الطرفة التي ترددها عجائزنا زمان حين نقعد وننصت إليهن، تقول المقولة المنسوبة إلى عالم الجن حسبما يقال لنا (من حجة الكذب كلوسنا جمل في جراب.. ومن شوكة العلب لقينا مائة وألف باب)، من الكلام يبدو أن كل ما ورد هو مستحيل، لكنه من المعجزات التي لا نقدر على فهمها ولا نعلمها نحن.
إلى هنا وما لدينا ما هو معقول ومنطقي نعرف أن لا جمل يتكلوس في جراب، ولا مائة وألف باب ستقع من شوكة لشجرة علب. أما وبالنظر إلى ما نحن فيه وما يحدث أمامنا من انقلاب عاجل لمظاهر غيرت حياتنا وأظهرت إما عداوة لنا أو انفلاتا أضاعنا وأوصلنا إلى الهلاك مرورا بالانتهاك والقمع في قوتنا ومرتباتنا وخدماتنا وخوفنا وهواجسنا، صرنا نقتنع بأن الجمل دخل جرابا واحتواه، وأن من ينكر هذا كذاب في وضح النهار وتلاحقه التهم من التخريب إلى الارتزاق والعمالة للغير وأخواتها.. وأدخلنا هذا التصديق فيما لم نكن نتوقعه يوما من أننا سنموت في طوابير الرواتب أو انتظار الكهرباء نصف يوم، ونصف اليوم الآخر، وأن تدخل الأمطار بيوتنا وتكبر معاناة القهر للمواطن في المناطق المحررة أكبر مما عناه أولئك الذين سيقوا لمعسكرات الاعتقال في زمن الفاشية والنازية البغيضتين.
نعم، صرنا نبحث عن ذلك تسليما تاما من أن الجمل دخل الجراب، وكيف لا؟! وكل منا قد عاش مآزق كورونا من دون اهتمام وشهدت عدن وحدها قوافل حصدها الموت في كل ساعة تقريبا وعاشت في حزن وغم وحصار وظلم لا يقبله ضمير حي وشريف، ناهيك عما تعيشه من تدنٍ في الخدمات، ولا يعرف الكهرباء أطفال ولدوا زمن الشرعية وكل ما بها من مساوئ وتقصيرات فاجعة لا تبرر ولا تقبل من يروج لها أيضا في التبرير.
صرنا باصمين بالعشر من أن شوكة العلب الصغيرة التي تنتزعها من قدمك بظافور، هذه الشوكة تسوي ويخرج منها مائة وألف باب وهو الحقيقة التي غابت عنا زمنا إن رفضنا ما كانت تزعق به الشرعية وتدعيه في أنها من شوكة العلب قدمت للمتضررين والمشردين والمنكوبين من عدن ومن ميفع ومن المكلا لحج البيوت والأبواب والإسمنت والأقفال أيضا، إذن لماذا نحن ننكر ما تصنعه لنا شوكة العلب والشرعية معا، ألسنا نحن في ظل ما نعيشه من سوء خدمات وانعدام الكهرباء وتوقف الرواتب للمدنيين والعسكريين وتتركهم يسقطون موتى ناكري جميل، وضد الجمل الذي دخل في جراب، وضد أيضا وبوقاحة ما صنعت شوكة العلب من أبواب ونوافذ وأسقف؟
نحن نستعيد ما قيل لنا ونحن صغار وكان هذا في العالم الخيالي البعيد عن واقعنا الذي شبينا فيه وبه من مظاهر الحياة المدنية والتطور والثقافة ما يضاهي نصف أوروبا ولم تعرفه أكثرية بلدان أفريقيا وربما آسيا أيضا، لكننا اليوم وتحت وضع ليس له مثيل، لا في أمريكا اللاتينية ولا في مجاهل صحاري منغوليا وكل ما أصبنا به من انتكاسات وظلمنا بها.. كانت عجائزنا أصدق في تنبيهنا ولكن أخفقن حين لم يضفن، وأنه من مهزلة الزمن أن تدخل حكومة ومعها التابعون والفاسدون في فندق ولا تغادره.