خلصت دراسة بحثية إلى أنّ التواجد الدولي والإقليمي في منطقة مضيق باب المندب يتخفى بذرائع غير التي يعلنها وأنّ أهداف هذه الدول المتصارعة الحقيقية تكمن في الهيمنة، وأنّ صراع القوى الإقليمية في المنطقة هو صراع أيديولوجي وسياسي وصراع نفوذ بيني، محذرة من الدور الذي قد تلعبه جماعة الحوثيين اليمنية، في تنفيذ أجندة قوى إقليمية كإيران في البلاد.
وفي ضوء هذا الصراع الذي يتركّز حول أهم منطقة استراتيجية بالنسبة لجنوب اليمن، قالت الدراسة التي أصدرها مركز سوث24 للأخبار والدراسات، السبت، إنّ الجنوبيين باتوا يدركون “كل تفاصيل التنافس الدولي والإقليمي على المضيق، وأحقيتهم في تأمينه من المخاطر التي تهدده، وإمكانية الاستفادة من هذا الصراع في خدمة قضيتهم الجنوبية الوطنية.”
كما حثّت صنّاع السياسة الخارجية في جنوب اليمن، على وجه الخصوص، بأن يمنحوا ورقة مضيق باب المندب حيزا أكبر في الخطاب السياسي الجنوبي الخارجي.
ووفقا الدراسة التي أعدها الباحث، مبارك عامر بن حاجب، يمثّل “مضيق باب المندب أحد أهم المضائق البحرية في العالم نظراً لموقعة الجيوسياسي المهم في منطقة الشرق الأوسط الغنية جداً، ليس فقط بمصادر الطاقة التي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والعالم، بل بالصراعات الجيوسياسية والمذهبية والعرقية، وتداعيات أطماع ونفوذ قوى عالمية كُبرى وأُخرى إقليمية تبحث عن موطئ قدم أو نفوذ مذهبي أو سياسي أو اقتصادي في هذه المنطقة.”
وأكّدت الدراسة بأنّ “المنافسة بين القوى العُظمى في العالم والإقليم تشتد للحصول على موطئ قدم لها في المضيق الاستراتيجي أو مُحيطه.”
وقدّمت الدراسة البحثية قراءة شاملة لواقع التنافس الدولي والإقليمي على مضيق باب المندب وأسبابه من وجهة نظر الخبير العربي والخبير المحلي في جنوب اليمن. كما هدفت الدراسة أيضاً وبشكل مستقل إلى تقديم قراءة مفصلة للموقف الجنوبي الرسمي وغير الرسمي من الصراع الدولي والإقليمي على مضيق باب المندب، على اعتبار الأحقية الجيوسياسية التاريخية للسيطرة على المضيق وخليج عدن للجنوبيين.
ولفهم واقع هذا التنافس على مضيق باب المندب وتكوين صورة شاملة عن حالة الاستقطاب في المضيق بين القوى العُظمى في العالم وبعض دول الإقليم، لجأ الباحث إلى استخدام منهجية تحليل الخطاب النقدي لتحليل الخطاب الإعلامي المحلي والعربي والأجنبي حيال ذلك، سواء كانت مقالات صحفية أو دراسات تحليلية أو تقارير إخبارية وتليفزيونية، بالإضافة لبعض المقابلات والمداخلات لصحفيين وكُتّاب وباحثين ومحللين استراتيجيين ومسؤولين حكوميين.
وتكمن أهمية هذه الدراسة البحثية في أنها وظّفت الخطاب الإعلامي العربي وغير العربي في تقديم قراءة مهمة لحالة صراع واستقطاب دولي وإقليمي كبير غير مُعلن بشكل واضح ومتخفي تحت ذرائع اقتصادية أو خدمية أو إنسانية، تتزايد معه المخاوف من أن يقود هذا الصراع إلى حرب عالمية أخرى.
كما تكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تسلّط الضوء على القوة الناشئة في جنوب اليمن تحت مضلة المجلس الانتقالي الجنوبي الحليف القوي لدول إقليمية مهمة، والتي تشكّل – هذه القوة – رافدا لجهودها في مواجهة المد الإيراني في المنطقة وبالأخص في شبة الجزيرة العربية.
كما أنّ هذه الورقة تُظهر مدى اجتهاد الجنوبيين في البحث عن دور محوري وفاعل في ملف الممرات البحرية المهمة للعالم كمضيق باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر وبحر العرب، وفهم حالة الصراع الدولي الراهنة على في هذه المنطقة الجيواستراتيجية، وتقديم أنفسهم كحلفاء فاعلين في تأمينها وحمايتها.
وتوصلت الدراسة، التي بلغت صفحاتها (40 صفحة) إلى عدة استنتاجات، كان من أهمها:
*إنّ التواجد الدولي والإقليمي الكبير في منطقة مضيق باب المندب والقرن الأفريقي يتخفى بحجج غير التي يعلنها، ذلك أنّ هذه الدول تعلل تواجدها برفع شعارات مكافحة القرصنة والتهريب والإرهاب والإمداد اللوجستي، لكنها في الواقع تخفي أهدافها الحقيقية من التواجد والتي تكمن في الهيمنة ومد النفوذ لأغراض سياسية بالدرجة الأولى. كما أن القوى العُظمى وحتى الإقليمية تشرع في فرض نفوذها في هذه المناطق الاستراتيجية من خلال التوقيع على اتفاقيات أمنية واقتصادية مع الدول الفقيرة المطلة على المضيق والقرن الأفريقي امتدادا لقارة أفريقيا.