محليات

فشل الهدنة يفتح الباب أمام العديد من التكهنات بمستقبل الأوضاع في البلد

انتهت الهدنة التي استمرت ستة أشهر في اليمن وفتحت الباب أمام العديد من التكهنات بمستقبل الأوضاع في البلد المنهك من الحرب. وهناك آراء تحمّل الحوثي مسؤولية انهيار السلام وتضع الحكومة أمام مفترق طرق، فهي إما أن تختار المناورة والصبر أو أن تشن حربا كبرى على الحوثي لا تنتهي إلا باستسلامه ودحره من مناطق سيطرته، وذلك في حال استهدفت الميليشيا أمن الطاقة في المنطقة.

يكشف انهيار جهود الأمم المتحدة لتجديد الهدنة في اليمن مَنْ هو الطرف الذي يتحمل المسؤولية عن احتمالات تجدد المعارك في هذا البلد. إلا أنه يكشف أيضا مدى توافق المواقف التي تعبر عنها الدول المعنية بالأزمة مع متطلبات إحلال السلام، من جهة، ومتطلبات حفظ الأمن في المنطقة من جهة أخرى.

وكانت جماعة الحوثي قد رفضت تمديد الهدنة للمرة الثالثة، على الرغم من كل التنازلات التي قدمتها الحكومة اليمنية.

وشمل عرض الهدنة الجديد وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر و”دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، ودخول

سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق، وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين، كما تضمّن الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة، وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة”.

وتضمن العرض أيضا مطالبة الحوثي بأن يستخدم عائداته من الموانئ الثلاثة التي يسيطر عليها في دفع جانب من رواتب الموظفين الحكوميين، لكي لا تتحول هذه العائدات إلى دعم للمجهود الحربي للجماعة، وهو أمر لا يتوافق مع أسس الحل السلمي، حيث يتعين أن تدخل كل العائدات إلى خزانة الدولة ليتم إنفاقها على مستوى وطني واحد لجميع مستحقيها، لا أن تحظى ميليشيات مسلحة بعائدات خاصة بها، كما هو الحال في لبنان حيث يسيطر حزب الله على عائدات خاصة به من المعابر غير الشرعية ومن الموانئ. وهو ما يحرم ميزانية الدولة من مصدر رئيسي من مصادر العائدات.

ورفضت جماعة الحوثي فتح الطرق إلى تعز، على الرغم من أن هذا الطلب كان شرطا من شروط الهدنة الأولى التي تم إقرارها في الثاني من أبريل الماضي. كما رفضت فتح الطرقات بين مأرب (شرقاً) وصنعاء والطرق الرئيسية الأخرى بين المدن.

وتمسكت الجماعة بهذا الرفض حتى بعد إضافة تنازلات جديدة من جانب الحكومة حيث تمت الموافقة لدى التمديد الثاني على دفع رواتب الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة. ولكن جماعة الحوثي تطالب الآن بدفع رواتب نصف مليون موظف، لا يؤدون عملا خاضعا للحكومة، وقسط كبير منهم موظفون وهميون، على غرار قوائم موظفي الميليشيات التابعة لإيران في العراق. وهي قوائم استخدمت لنهب أموال الدولة.

وتقول الجماعة الآن إن هذه الرواتب يجب أن تُستوفى من عائدات النفط والغاز التي تسيطر عليها الحكومة. وهذا مطلب يقصد إرساء نظام للمحاصصة، على غرار نظام المحاصصة القائم في العراق. وهو إذا ما تم بالفعل، فانه يُبطل من الناحية الفعلية الحاجة إلى حل سياسي شامل، ويرسخ سلطة حكومتين تتقاسمان الموارد.

ويقر المبعوث الأممي هانس غروندبرغ ضمنيا بأن الحكومة والأطراف الإقليمية المتحالفة معها قدمت الكثير من التسهيلات لتمديد الهدنة. وهو ما يعني أنها ليست هي الطرف الذي يتحمل المسؤولية إذا ما تجددت المعارك.

وهذا ما يحصل الآن على الأرض. فالحوثي بدأ بحشد تعزيزات جديدة على كل جبهات القتال. وقال مصدر عسكري في الجيش الحكومي “إن اشتباكات اندلعت في الجبهتين الغربية والجنوبية بمحافظة مأرب (شرقاً)، بعد أن شن الحوثيون هجمات على مواقع الجيش”.

وأصدر الحوثي تهديدات جديدة للسعودية والإمارات باستهداف المواقع النفطية فيهما، وطالب الشركات العاملة في حقول النفط بمغادرتها.

ولن تستأنف المملكة العربية السعودية العمليات القتالية حتى يبدأ الحوثي بتنفيذ تهديداته. كما تتمسك الحكومة اليمنية بضبط النفس من أجل ألا تبدو وكأنها راغبة في استئناف المعارك. وهو ما يُبقي فسحة محدودة أمام غروندبرغ ليجدد مساعيه.

إلا أن ذلك يحدث تحت وطأة توتر متزايد. فالانتهاكات الحوثية لوقف إطلاق النار لم تتوقف على امتداد الأشهر الستة الماضية. ومساعي الجماعة التي فشلت لعدة مرات من أجل الاستيلاء على مأرب، حتى وإن كانت قد منيت بالفشل لعدة مرات، إلا أنها تظل هدفا رئيسيا بسبب مواردها النفطية بالذات.

ويرى البعض أن بعض مطالب الحوثيين تكاد تكون تعجيزية، حيث تعتبر الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إليزابيث كيندال أن مطالب الحوثيين “غير واقعية في هذه المرحلة المبكرة”، معتبرة أنهم يطالبون بما يعدّ “تنازلات سيكون من الصعب للغاية تقديمها في غياب أي محادثات سلام منظمة”.

وبحسب كيندال، فإنّ “الانطباع الموجود هو أن الحوثيين غير مهتمين حقا بمواصلة الهدنة”.

ويرى الباحث في مركز “مالكوم كير – كارنيغي” ومقره بيروت أحمد ناجي أنّ الهدنة “فشلت بسبب خلل التوازن في طرفي معادلة الحرب”.

ويوضح أن “جماعة أنصار الله (الحوثيون) تعتقد أنها الطرف الأقوى بعد سبع سنوات من الصراع، وأن الحرب لا يجب أن تنتهي عند هذه النقطة، وأنهم يستطيعون الحصول على مكاسب إضافية خصوصًا مع الرغبة الكبيرة في تجديد التسوية (الهدنة) لدى الطرف المناوئ”.

ويجعل كل ذلك من “الصبر الإستراتيجي” الخيار الأول للحكومة ودول التحالف العربي. وهو أمر يتوافق أيضا مع الرغبات الدولية.

لكن تجدد المعارك على نطاق واسع، سوف يملي على الحكومة اليمنية الأخذ بالخيار الثاني، وهو خوض المعركة من دون مشاركة القوات التابعة للتحالف العربي، وعلى وجه التحديد من دون استئناف الضربات الجوية التي تقودها السعودية والتي كانت سببا للكثير من الانتقادات. وذلك أملا في أن يبقى النزاع داخليا، ولا يمتد إلى الخارج.

ولكن حالما يشرع الحوثي في استهداف المنشآت النفطية السعودية أو الإماراتية، فإن وجه المعركة سوف يعود إلى منقلبه الأول، حيث تستأنف العمليات القتالية على نطاق واسع برا وبحرا وجوا.

واستطاعت القوات الحكومية خلال الأشهر الستة الماضية تعزيز قدراتها. وحصلت على أسلحة جديدة، كما نجحت في إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية بما جعلها قوة قادرة على التصدي لأي عمليات قتالية جديدة، بل وربما تكون قادرة أيضا على طرد الحوثي من بعض مناطق سيطرته الراهنة، لاسيما في الحديدة والأطراف الشمالية لمأرب وتعز.

والسؤال الرئيسي الذي يواجه هذا الخيار، هو ما إذا كانت الولايات المتحدة والأطراف الدولية الأخرى سوف تعود لتستأنف الضغوط ضد السعودية والإمارات لوقف عملياتها الهجومية ضد مواقع الحوثي.

والثقة تبدو معدومة في الرياض وأبوظبي من أن واشنطن سوف تتبنى الموقف الصحيح، بإدانة موقف الحوثي من الهدنة وتحميل هذه الجماعة المسؤولية عن استئناف العمليات القتالية.

والثقة معدومة أكثر إذا ما اتخذت الأعمال القتالية المستوى الملائم الذي يدفع إلى فرض التراجع على الحوثي بالقوة.

وهناك قناعة واسعة بأن الحرب في مراحلها الأخيرة قبل بدء الهدنة في أبريل الماضي، كان من الممكن أن تحقق نتائج حاسمة. إلا أنها توقفت لكي تعطي أملا للسلام، ولكي تبدو تنازلا أمام الرغبة الدولية في وقف القتال والحد من المعاناة الإنسانية.

لكن استئناف المعارك، هذه المرة، يفترض أن يمر من دون عوائق، واحتجاجات وبكائيات كتلك التي غلبت على أجواء الموقف الأوروبي والأميركي من الأزمة. فالسبب وراء الحرب التي استمرت لسبع سنوات، إذا كان غامضا من قبل، فإنه لم يعد غامضا الآن. والمسؤولية عن التبعات الإنسانية للحرب، معروف الآن على كتف مَنْ تقع. وعندما يتعرض أمن الطاقة للتهديد، دع عنك محاولات الابتزاز المسبقة، فإنه لا يُبقي متسعا للمزيد من المناورات السياسية التي تستهدف حجب النظر عن الطرف المسؤول وتوجيه اللوم إلى الطرف الذي يدافع عن نفسه.

ويتوقّع ناجي “استمرار الاتصالات المكثفة لإقناع الحوثيين بتجديد الهدنة”، ولكنّه أشار إلى أنّه “في حالة الوصول إلى طريق مسدود، فإنّ الحرب ستشهد جولة جديدة من المواجهات العسكرية أكثر ضراوة من ذي قبل”.

وهناك أيضا ما يبرر الاعتقاد، بأن الحرب إذا ما استؤنفت على نطاقها الواسع، فإنها يجب ألا تتوقف قبل أن يعلن الحوثي استسلامه أو أن يتم طرده من مناطق سيطرته الراهنة، وخاصة من صنعاء.

وسوف تنشأ فرص السلام الحقيقية في ذلك الوقت لتكون أكثر استقرارا. ولا يحتاج الحفاظ عليها إلى التعرض لتهديدات أو أعمال ابتزاز.

إلى الأعلى