يعيش التعليم في اليمن أسوأ مرحلة في تاريخه، جراء تداعيات الحرب المستمرة منذ نحو ثماني سنوات.
وبات ملحوظا التدهور الحاد والدمار الهائل في قطاع التعليم بالبلد الفقير الذي يعيش معظم سكانه على المساعدات، ويواجه أسوأ محنة إنسانية في العالم.
وقبل أسابيع، انطلق العام الدراسي الثامن في ظل الحرب، فيما يعاني الملايين من صعوبات كبيرة في الحصول على التعليم ومتطلباته.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن “اليمن يواجه هذا العام أزمة تعليمية حادة، حيث إن عدد الأطفال الذين يواجهون انقطاعا في تعليمهم قد يرتفع إلى 6 ملايين”.
وحذرت المنظمة في بيان من أن “ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة طويلة الأمد على الأطفال”.
وأفادت المنظمة الأممية بأن أكثر من مليوني طفل يمني، لم يستطيعوا الالتحاق بالتعليم جراء ظروف البلاد.
وأشارت إلى أن “ما يزيد على 2500 مدرسة في اليمن باتت غير صالحة للاستخدام، إذ دُمّرت أو حُوّلت إلى أغراض عسكرية أو استُخدمت مراكز إيواء للنازحين”.
فيما كشف تقرير حديث صادر عن نقابة المعلمين عن مقتل 1582 معلما منذ بدء الحرب، بينهم 81 من مدراء المدارس.
وأضاف التقرير، أن 21 معلما اغتيلوا منذ بداية عام 2015، منهم 12 معلماً تم اغتيالهم في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
ولفت إلى أن أكثر من 2642 معلما، تعرضوا لإصابات مختلفة، كما تعرض 1173 معلماً للاعتقال والاختطاف، بينهم قرابة 170 حالة إخفاء قسري، منذ عام 2015.
ويشكو معظم اليمنيين من تراجع مستوى التعليم بشكل غير مسبوق، وانتشار ظاهرة الغش في الامتحانات، وعزوف معلمين عن التعليم بحثا عن فرص عمل أخرى نتيجة ضعف رواتب العاملين في حقل التعليم.
يعاني محمد إسماعيل، مواطن يمني في العقد الرابع من العمر، من ضعف المستوى التعليمي لأولاده بسبب عدم الاهتمام بهم في المدارس.
وقال، “تراجع التعليم بشكل كبير في سنوات الحرب، وأصبح الحصول على تعليم جيد لأولادنا بمثابة حلم بعيد المنال”.
وتابع “لدي ثلاثة أولاد يدرسون في إحدى مدارس مدينة تعز جنوب غربي اليمن، ويواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على تعليم جيد في مختلف المواد الدراسية”.
وأضاف، “بسبب ضعف التعليم في المدارس، نضطر إلى أن نقوم بتعليم أولادنا بشكل مكثف في المنزل”. وأشار إلى أنه “لو تم الاعتماد فقط على تعليم المدارس، لما استطاع أولاده حتى تعلم الحروف الهجائية”.
بدوره، يتحدث المواطن نايف الصبري بحرقة وألم عن مأساة التعليم في بلاده. وقال، “لم نشهد هذا الواقع أبدا منذ طفولتنا… لم يعد هناك تعليم حقيقي… لا اهتمام بالمعلم ولا رعاية للطالب”.
وأشار إلى أن “لديه ولدا يدرس في الصف الثالث، ويعاني كثيرا في الحصول على تعليم جيد نتيجة التدهور الكبير في التعليم الحكومي”.
وأضاف، “الكثير من الأسر أصبحت تهتم فقط بكيفية توفير الغذاء والدواء لأولادها؛ فيما التعليم أصبح يشبه الرفاهية في ظل هذه الأوضاع الصعبة”.
وتقول المعلمة هالة منصر إن واقع التعليم في اليمن بات يغزوه الوجع والبؤس نتيجة تداعيات سنوات من الحرب القاتلة.
وأضافت، أن “التعليم الحكومي على وجه الخصوص يواجه صعوبات كبيرة لا تعد ولا تحصى، مثل قلة الكادر التعليمي الذي تقابله كثافة كبيرة في عدد الطلاب”.
وأفادت بأن “بعض الفصول الدراسية تحتوي على أكثر من 100 طالب، يحشرون أنفسهم في غرفة ضيقة، ولا يستطيعون الفهم أو الحركة، ما يؤثر سلبا على مستوى تعليمهم وحتى صحتهم”.
وقالت إن “المدارس الأهلية تقدم تعليما أفضل، لكنها باتت مقتصرة على ذوي الدخل المرتفع”. وأشارت إلى أن “السنوات الأخيرة شهدت نزوحا كبيرا للطلاب من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، بسبب عدم قدرة العديد من أرباب الأسر على دفع أجور التعليم الخاص”.
وأضافت منصر، أن “العديد من الطلاب في المدارس الحكومية يدرسون لسنوات، وقد لا يستطيعون حتى إتقان القراءة، بسبب ضعف التعليم”.
وشكت من ضعف كبير في رواتب المعلمين بالمدارس الخاصة، حيث تنحصر رواتبهم الشهرية بين 30 و60 دولارا فقط، لا تفي بأدنى متطلبات الحياة.
وتعزو السلطات اليمنية تراجع التعليم بشكل كبير إلى ظروف الحرب المستمرة، وقلة دخل المعلمين، إضافة إلى مشاكل أخرى.
ويقول عزوز السامعي مدير عام البحوث والتدريب في محافظة تعز أكبر المحافظات سكانا، إن “التعليم في اليمن يعاني من مشاكل معقدة”.
وأفاد بأن”هذه الإشكالات ظلت تنمو وتتأثر بطبيعة الأزمات التي كان يعيشها البلد في مرحلة قبل الحرب، لكن الأخيرة عمقت أزمة التعليم بشكل كبير”.
وتابع السامعي “يعيش قطاع التعليم حاليا حالة تدهور غير مسبوق كنتيجة لتداعيات الصراع المستمر منذ سنوات.. فمعظم المدارس باتت خارجة عن الجاهزية والعمل، إما لوقوعها في مناطق التماس، أو لتحويلها إلى أماكن لإيواء اللاجئين والمشردين من الحرب”.
ولفت إلى أن”التربويين بلا رواتب منذ سنوات، فضلا عن احتدام مشكلة الفقر ما جعل الكثير من الأسر تعجز عن إرسال أبنائها إلى المدارس وتوفير ما يحتاجونهم من متطلبات التعليم”.
وقال إن “الأخطر من ذلك هو محاولات بعض الأطراف لاسيما الحوثيين الاستثمار في هذا المجال لخلق بيئة تعليم مسيسة من خلال التدخل في تغيير مضامين مناهج التدريس، وصبغها بأخرى سياسية وطائفية، ما يهدد بصناعة أجيال مشبعة بأفكار مؤدلجة وعنيفة”.