كتب/ أ.د. خالد مثنى حبيب:
كثر الجدل والهرج والمرج في قنوات التجمع اليمني للإصلاح عما حدث من تمزيق للعلم منتهي الصلاحية علم الوحدة الفاشلة في معركة عتق الأخيرة التي حدثت بين قوات الاصلاح والقوات الجنوبية، متناسيين ما حدث من دوس وحرق وتقطيع للعلم الجنوبي بالخناجر اليمنية في كل الحروب التي شٌنت على الجنوب بدْ بحرب عام 94 وحتى معركة التمرد في شبوة ، وما حدث في معركة عتق لم يعد وليد اللحظة بل يتزامن مع انطلاق الثورة السلمية الجنوبية في 2007 ،حيث اعتادت الجماهير المتظاهرة على احراق ذلك العلم في كل مهرجاناتها السلمية ليس ذلك فحسب بل وفي معارك تحرير الجنوب من القوات الشمالية وكان آخرها تحرير محافظة شبوة ،وما هذه الضجة الإعلامية من قبل تجمع الإصلاح وإعطاء الموضوع اكبر من حجمة الا تغطية على تمرده العسكري على السلطة المحلية في شبوة وعلى مجلس القيادة الرئاسي ورد فعل على خسارته معركة التمرد.
ومن المفارقة العجيبة إن إعلام الإصلاح أقام الدنيا ولم يقعدها على تمزيق العلم في عتق في حين صمت على تمزيقه في بيحان وعسيلان أثناء المواجهة مع الحوثيين ، الى جانب صمته عما يحدث في الشمال من جرائم ومظالم كبيرة وتغييرات خطيرة مست الهوية والدين، ولم نجد أي تفسير لذلك الصمت سوى انتهازية الإصلاح المفرطة وملشنة قواته والتذرع بالعلم لدغدغة عواطف البسطاء في المناطق الشمالية وتأليبهم حوله ضد الجنوب تحت مبرر حماية الوحدة ، وتكرار تجارب حربي 94 و 2015 وغزوة 2019 غير مدرك ان الوضع تغير عن السابق وان شعار الوحدة او الموت اصبح الان غير ذي جدوى ، فالأجدى هو استعادة الجمهورية المسلوبة من قبل الحوثيين.
الشعب في الشمال أصبح يدرك الحقائق عندما اضحى مغلوب على امره بين مطرقة الحوثي وسندان خذلان الاخوان، وبالتالي لم يستجيب لتلك الدعوات المشبوهة التي تستخدمه كوقود حرب لخدمة مصالح حزبية ضيقة، فقد رفضت قبائل من البيضاء طلب الإصلاح لتعزيز قواته في عتق ضد القوات الجنوبية المؤيدة للمحافظ ابن الوزير، وكان ردها اين أنتم يا اصلاح من مساعدتنا ونحن نكابد المواجهة مع الحوثيين بأسلحتنا الشخصية طيلة سنوات مضت.
لقد رفع علم الوحدة في الجنوب على ضوء توافق بين شريكين شمالي وجنوبي، وبالتالي يعد علم شراكة ولا يجوز لأي شريك فرضه على الآخر إذا ما اختلت تلك الشراكة، فلا يحق للشمال فرضه في الجنوب والعكس صحيح لا يحق للجنوب فرضه في الشمال. وهو ما حدث مع القوات الجنوبية التي قاتلت الحوثيين في ارض شمالية كالساحل الغربي والتي لم تمس العلم المرفوع هناك رغم العداء له، وهذه دلالة على احترام الجنوب لسيادة الشمال على ارضه بل ومشاركته تحرير الارض واسترجاع الشرعية إلى العاصمة صنعاء، وبالتالي يمكننا القول ان شعب الجنوب يحترم سيادة الشعب الشمالي على ارضه وما يترتب عليه من احترام أي علم يرمز لشرعيته بما فيه علم دولة الشمال السابقة (الجمهورية العربية اليمنية) الذي يحظى باحترام الجنوبيين له فلا يمكن استهدافه او ايذائه كما يستهدف علم الوحدة الان، في حين إن قوى الشمال لا تحترم سيادة شعب الجنوب على ارضه حيث اعتادت القوى العسكرية الشمالية على تمزيق علمه على ارضه وفرض عليه رفع علم غير علمه بقوة الاحتلال.
يعلم الجميع ان العلم ليس مجرد خرقة ولكنه يمثل رمزية الدولة بما تمثله من جغرافيا وسيادة وهوية، فاعتماده أو إلغائه يتم وفقا لإرادة شعبية وليس مزاج أحزاب أو اشخاص، وهذه الحقيقة تتجاهلها قوى الشمال وخاصة المتأسلمة منها (أنصار الله والاخوان المسلمين). فنذكر الذين يتباكون على دعس علم الوحدة في معركة عتق بإن عملية إنزال علم الوحدة الفاشلة منتهي الصلاحية ورفع علم دولة الجنوب السابقة على ارض الجنوب طيلة السنين الماضية قد كلفت اثمان باهضه ، عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ، فالعلم الجنوبي من اكثر الاعلام التي توشحت بدماء الشهداء والتفت على جثاميهم على مستوى العالم ، وبالمقابل فإن علم الوحدة المنتهي الصلاحية هو من اكثر الاعلام التي تعرضت للحرق والتمزيق على غرار العلم الإسرائيلي ، فالصراع باليمن يدخل في صراع الاعلام بين علم دولة الجنوب وعلم الوحدة المنتهي الصلاحية . وهذا الأخير يعد علم مرفوض شعبيا ولم يجد له مكان في الجنوب سوى وجود مؤقت على قصر الرئاسة في معاشق ومبنى الحكومة ووثائق المعاملات الرسمية استجابة لمصالح محددة فقط، اكانت مصالح خدمية لتسيير حياة الناس في الجنوب أو مصالح سياسية لدعم واسناد القوى الوطنية الشمالية وتمكينها من حقها في حكم الشمال.