نداء حضرموت – متابعات
لطالما عانت محافظة أبين، جنوبي اليمن، من آفة الإرهاب لسنوات بعد أن نهش مدنها وقراها، واليوم تبدأ مرحلة جديدة لاستعادة رونقها كبوابة شرقية لعدن.
ومساء الإثنين، أطلقت القوات الجنوبية عملية “سهام الشرق” لمكافحة الإرهاب وتحرير محافظة أبين من الجماعات الإرهابية والعناصر الخارجة عن القانون”.
وتستهدف العملية إزالة خطر دعم أي تمرد أو عمليات إرهابية محتملة في محافظات الجنوب من قبل الإخوان وإنهاء حالة الانقسام الذي تشهده محافظة أبين، وإزالة خطر التخادم الإخواني الحوثي مع تنظيم القاعدة.
وتقع محافظة أبين التي تتألف من 11 مديرية إلى الشرق من عدن على طرق حيوية تربط شرق وشمال اليمن بالعاصمة عدن، مقر المجلس الرئاسي الذي يتخذها نقطة انطلاق لاستعادة الشمال اليمني من الحوثي.
عام من توحش الإرهاب في أبين
لم يكن انطلاق العملية العسكرية لمكافحة الإرهاب في أبين محض صدفة وإنما ردا على توحش القاعدة وخلايا الحوثي في المحافظة الجنوبية بسبب تواطؤ تنظيم الإخوان مع التنظيمات الإرهابية لاستهداف قيادات ومقار القوات الجنوبية.
وتزايدت خطورة التنظيمات الإرهابية خلال الأعوام الأخيرة بعد دخول مليشيات الحوثي على خط المعركة في تجنيد الخلايا وقيادات تحركات مشبوهة في مناطق أطراف أبين التي لازال يحتلها عسكريا ويستغلها لتهديد الجنوب.
وتتبعت “العين الإخبارية” في هذا التقرير أبرز هجمات تنظيم القاعدة ومليشيات الحوثي خلال العام الجاري والتي تنوعت بين النهب والاختطافات والعمليات الانتحارية والتقطع للمسافرين من حجاج بيت الله في أبين.
وبدأت هذه الهجمات بشكل رئيسي في يناير/كانون الثاني الماضي عندما هاجمت عناصر من خلايا القاعدة والحوثي بشكل متقطع إمدادات للعمالقة وعمدت لنهب 5 مركبات عسكرية، مستغلة انشغال قوات العمالقة بمعركة “إعصار الجنوب” لتحرير مديريات بيحان في شبوة.
وفي منتصف فبراير/شباط الماضي، اختطف مسلحو التنظيم 5 موظفين أمميين أحدهم أجنبي إلى موقع محصن في مديرية “مودية” شرق أبين، ولازالت تتخذهم رهائن حتى اليوم وتشترط إطلاق سراحهم مقابل فدية مالية ضخمة.
وتمادى تنظيم القاعدة في عمليات أكثر عندما هاجم في 15 مارس/آذار بسيارة مفخخة يقودها عدد من الانتحاريين موكب قائد الحزام الأمني في أبين العميد عبداللطيف السيد المصنف بالخصم التاريخي للتنظيم الإرهابي وذلك شرقي زنجبار أسفر عن إصابته ومقتل 4 جنود من مرافقي المسؤول الأمني الرفيع.
ليست القاعدة وحدها فقد تمادت مليشيات الحوثي عبر تنفيذ هجوم إرهابي بعبوة ناسفة لاستهداف دورية قوات العمالقة في 7 مايو ما خلف 7 مصابين وتدمير للدورية، وذلك عبر خلية إجرامية جندها الانقلابيون في مديرية المحفد بحسب مصدر أمني حينها لـ”العين الإخبارية”.
وكشر تنظيم القاعدة عن أنياب إرهابه في 22 يونيو/حزيران عندما استهدف بهجومين متزامنين حاجزا أمنيا لقوة دفاع شبوة قرب مدينة عتق ودورية لمحور أبين العسكري في مديرية أحور ليخلف 17 قتيلا وجريحا من القوات الجنوبية.
إجرام خلايا القاعدة والحوثي لم يتوقف عند الهجوم على القوات الجنوبية في أبين لكنها تجاوزت الخطوط الحمراء بعد أن استهدفت في هجومين منفصلين حافلتين نقل لحجاج بيت الله خلال يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين.
وفيما كان الهجوم الأول بقنبلة يدوية بلودر، فقد نفذت عناصر الفوضى هجوما آخر في مديرية المحفد وعمدوا لنهب العائدين من بيت الله الحرام وسلبهم كل الأموال والممتلكات وبعد تدخل حملة أمنية لتعقب العناصر فجروا اشتباكات شرسة خلفت عديد الجنود مصابين
وقال مصدر أمني لـ”العين الإخبارية”، إن هجوما إرهابيا يرجح أنه لتنظيم القاعدة استهدف مقر شرطة في مديرية لودر في أبين، الأحد الماضي، في أحدث هجوم غادر على المقار الأمنية في المحافظة المطلة على بحر العرب.
كما تستغل مليشيات الحوثي سيطرتها على أجزاء من بلدتي “المحلحل” و”ثرة” التابعتين لمديرية لودر في أبين وبعض القرى من مديرية جيشان، وهي مديريات تقع على حدود أبين في تهديد المحافظات الجنوبية، وفقا للمصدر.
ويرى مراقبون أن هجمات وتهديدات القاعدة والحوثي في أبين تأتي ضمن حرب ممنهجة ومدروسة استهدفت ضرب الحاضنة الشعبية لمجلس القيادة الرئاسي وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطق الحكومة المعترف بها دوليا.
غطاء شرعي وقانوني
دفعت هذه الهجمات القوات الأمنية والعسكرية في الجنوب للاستنفار لبدء المعركة الفاصلة في أبين التي تحولت معقلا للقاعدة والحوثيين بتسهيلات إخوانية في استهداف مختلف المحافظات الجنوبية.
وتأتي الحملة العسكرية في أبين استجابة للسلطات الأمنية في المحافظة التي أطلقت في يونيو/حزيران الماضي نداء للقوات الجنوبية المسلحة لتوحيد الصفوف لمواجهة توحش القاعدة والنشاط المخيف لخلايا مليشيات الحوثي وبدعم من مجلس القيادة الرئاسي.
وهذا ما أكده الخبير العسكري العميد حسين ثابت صالح بأن عملية “سهام الشرق” تماثل العملية التي تجرى في شبوة وستتواصل إلى وادي حضرموت وكلها تتم بغطاء شرعي قانوني وفقا للتدابير العسكرية والأمنية التي أقرها مجلس القيادة الرئاسي استنادا إلى اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة ومشاورات الرياض بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المناطق المحررة التي هي أساسا في الجنوب”.
في تصريحات خاصة لـ”العين الإخبارية”، قال إن “أبين كانت من أهم معاقل التنظيمات الإرهابية نظرا لتركيز نظام ما بعد حرب صيف 94 على هذه المحافظة باعتبارها منطقة استراتيجية هامة تربط المحافظات الجنوبية مع بعضها البعض الغربية مع الشرقية”.
وأوضح أن “آخر تمركز لهذه الجماعات كان في شقرة وحتى في المنطقة الوسطى في مودية ومناطق أخرى كانت تتمركز هذه القوات وتحظى بحماية مليشيا الإخوان الإرهابية بغطاء الشرعية والتي تحظى أيضا بغطاء قبلي بسبب تأثير العادات والتقاليد القبلية وبسبب أيضا مصالح كان يجنيها شيوخ القبائل في هذه المنطقة”.
وعن خارطة انتشار القوات الجنوبية، قال إنها كانت تتمركز على مشارف شقرة ولها وجود أيضا في شقرة لكن وجودها المكثف ظل في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين قبل أن تنتشر خلال عملية “سهام الشرق”.
ويرى الخبير في الشؤون العسكرية الجنوبية أن العملية تستهدف “قطع دابر التخادم الحوثي الإخواني الذي كان غير خاف على أحد خلال فترة الحرب بالسنوات الثمانية وكان تخادما واضحا لا يخفي على لبيب”.
كما تستهدف “حشد الجهود الرئيسية لاحقا كما نص على ذلك اتفاق الرياض ومشاورات الرياض للتعامل مع الحوثيين سلما أو حربا في حال فشلت الهدنه وهذا هو المتوقع”، وفقا للعميد صالح.
ويعتقد صالح أن الهدن عبارة عن مهدئات يحاول المجتمع الدولي أن يحولها إلى هدنة مستمرة إلا أن مليشيات الحوثي لا تريد الالتزام بهذه الهدن أو بأقل تقدير تنفيذ شروط هذه الهدنة الأممية.
دعوة رئاسية لدعم إقليمي لـ”سهام الشرق”
في الصدد، وجه رئيس لجنة التشاور والمصالحة التابعة للمجلس الرئاسي محمد الغيثي دعوة للمجتمع الدولي بدعم جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها القوات الجنوبية في أبين ومختلف المحافظات الجنوبية.
وقال الغيثي، الذي يترأس أرفع هيئة تابعة للمجلس الرئاسي في بيان طالعته “العين الإخبارية”، إن “جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها قواتنا الباسلة تستوجب من شركائنا على المستوى الإقليمي والدولي مضاعفة الدعم لما تمثله الجماعات الإرهابية من تهديد حقيقي على مصالح ومستقبل الجميع”.
وأضاف: “لقد حان الوقت الذي يجب أن تنعم فيه محافظة أبين العزيزة بالسلام والأمان كامل الأركان، ولن نسمح باستمرار ضرب أهلنا بالإرهاب الذي يجري على قدم وساق بالتنسيق مع ميليشيات الحوثي”.
وكانت قوات العمالقة الجنوبية التي تنتشر في أبين منذ آخر 2020 بإشراف من التحالف العربي كقوة حفظ سلام قد قادت تحركات مكثفة على الأرض لرأب الصدع بين قوات جنوبية موالية للإخوان في شقرة وأخرى من قوات المقاومة الجنوبية المسلحة.
ونجحت العمالقة الجنوبية في فتح خطوط تواصل بين قيادة هذه القوات عبر عقد عدة اجتماعات بحضور محافظ أبين وبرعاية مجلس القيادة الرئاسي، قبل أن تخوض معركة إخماد تمرد الإخوان في محافظة شبوة لتأمينها من خطر التنظيم الإرهابي باعتبارها عمق استراتيجي للجنوب.
وتستهدف عملية “سهام الشرق” تحقيق سلسلة من الأهداف الأمنية في الجنوب المحرر من الحوثي، منها حماية الطرقات، خنق طرق تهريب السلاح للمليشيات، مكافحة تنظيم القاعدة، تعزيز أمن عدن، تأمين طرق إمداد القوات من العاصمة المؤقتة وحتى شبوة وحضرموت والمهرة.