أعاد التمرد الإخواني المسلح، على السلطات الشرعية، في محافظة شبوة، (جنوب شرقي اليمن) فتح أعين المراقبين، على دور مأرب في تقوض استقرار الجنوب، بعدما حولها تنظيم الإخوان الإرهابي إلى ما يشبه غرفة عمليات لإرباك المناطق المحررة.
وخلافاً للبرود الذي قابل معارك خاصة سابقة خاضها حزب الإصلاح الإخواني في تعز وأبين، أثار التمرد المسلح على محافظ شبوة ومجلس القيادة الرئاسي صحوة شعبية غير مسبوقة في أوساط اليمنيين، كما دفع كثيرين إلى رفع أصواتهم للمطالبة بوضع حد لهيمنة الإخوان على مأرب.
وتعد مأرب في الوقت الراهن، واحدة من المناطق القليلة، التي يستخدمها حزب الإصلاح اقتصاديا وعسكريا، في آن واحد، لإدارة وتمويل تحركات قواته في المحافظات الجنوبية، لا سيما بعد أن فقد ميزة السيطرة على شبوة، وبالتالي لا يمكن تأمين الأخيرة إلا بإنهاء هيمنة “الإخوان” على مأرب.
وكان التنظيم قد استخدم مأرب بالفعل كنقطة انطلاق لشن عمليات مسلحة لتقويض استقرار محافظة شبوة المجاورة، وذلك بعد الإطاحة بالمحافظ الموالي له محمد صالح بن عديو من المنصب، وتعيين الشيخ عوض ابن الوزير بديلاً.
على أن احتفاظ الإخوان بالسيطرة عليها، لا يشكل تهديدا لمحافظات الجنوب فحسب، وإنما أيضا للمحافظة نفسها، فقد تؤجل الضغوط الدولية والهدنة السارية اجتياح المدينة، ولكن حمايتها من الحوثيين لن تتحقق إلا بإحلال قوات تملك القدرة العسكرية لتهديدهم جديا بإلحاق الهزيمة بهم.
ولأن كانت الحكومة اليمنية قد اعتقدت، في لحظة ما، أن خطوط المعركة ثابتة، وأن الأسرة الدولية لن تسمح للحوثي باجتياح مأرب، فقد اختل التوازن العسكري عقب انسحاب قوات الإخوان من المديريات الجنوبية، ما مكن الحوثيين من الوصول إلى محيط المدينة.
وبجانب ذلك، يرى مراقبون أن استمرار وجود القوات الموالية للإخوان في مأرب كما في غيرها من المحافظات الجنوبية مثل حضرموت، من شأنه أن يبقي على الخلافات قائمة داخل السلطة الشرعية، ذلك أن الغرض من هذا الوجود خدمة أجندة حزب له ارتباطات إقليمية، وسبق وأن فتح ثغرات لتسلل الحوثيين إلى الجنوب.
ففي حين يرى المجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات المحسوبة عليه، المليشيا الحوثية عدواً وتهديداً خطيراً يجب محاربه، فإن لدى تنظيم الإخوان المسلمين أولويات أخرى يسخر في سبيلها كل شيء آخر.
ومن وقت مبكر، اتضح جلياً أن أولوية “الإخوان”، هي محاربة المجلس الانتقالي الجنوبي، والاحتفاظ بالهيمنة المطلقة على الشرعية اليمنية ومواردها في المناطق المحررة، ولهذا حين يكون الخيار بين الإصلاح المؤسساتي اللازم لهزيمة الحوثيين والتراجع أمامهم يختار التنظيم الخيار الثاني دائمًا، وذلك لأن أي إصلاح في منظومة “الشرعية” يهدّد مستقبله.
وكانت شبوة تحتل أهمية في حسابات الإخوان، لجهة الحفاظ على وجودهم العسكري والأمني في الجنوب، وأيضا بوضعهم السياسي الذي تعرض للتحجيم منذ نقل صلاحيات الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي، وإقالة قائد الجناح العسكري للتنظيم علي محسن الأحمر في أبريل الماضي.
في الاثناء تعدّ مأرب الغنية بالنفط والغاز المعقل الأكبر للإخوان والقيادات التي جرى تمكينها من إدارة المحافظة، والتحكم بثروتها، وتصريف الإيرادات لصالح عناصرهم من موظفين حكوميين أو مجندين في صفوف قواتهم أو حتى مقيمين في عواصم عربية وإقليمية.
ويعول حزب الإصلاح الإخواني كثيرا على مأرب لتجميع قواته العسكرية فيها، بما يمكنه من البقاء في اللعبة السياسية والعسكرية ومواصلة ارباك الوضع في الجنوب، بعد أن كسرت شوكته في شبوة وبات نفوذه غير ذي مستقبل.