لا تزال أصداء وقف الحفلات الغنائية في العراق لفنانين عرب كبار كانت مقررة تتفاعل تحت وطأة ضغوط مارستها جهات سياسية ودينية نافذة.
وفي آخر التداعيات، عبر الفنان المصري محمد رمضان، عن سخريته من الشتائم التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بحقه، بعد حفلة رمضان الأخيرة في العاصمة العراقية بغداد.
ونشر الفنان المصري، على صفحته الشخصية في منصة إنستغرام، مقطعا مصورا لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وهو يشتم رمضان، فيما علق بأيقونة ضاحكة، ونشر في نهاية الفيديو مشهدا مقتبسا من أحد مسلسلاته، يقول فيه بالعامية المصرية: “أنا الشيطان كان بيستعيذ بالله مني”.
وكان نوري المالكي قد شن هجوما عنيفا على حفلات فنية استضافها العراق مؤخرا، قائلا: “بدأنا نرى ونسمع هذه الحفلات الماجنة وهذا الفجور، والعراق يحتضن الساقطين من الفنانين، ولو كانوا أصحاب فن حقيقي لقلنا لهم أهلا وسهلا”.
ووصف المالكي الفنانين العرب الذين أقاموا حفلات غنائية بالعراق “بأنهم من الساقطين، المبتذلين، يأتون للعراق ويحتضنون بهذا الشكل المخيف”.
المالكي هاجم حفل رمضان دون أن يسميه، بالقول: “عشرات الآلاف يتدافعون لمشاهدة إنسان داعر فاسق”.
وفي مقطع آخر، نشر محمد رمضان مقطع فيديو لرجل دين عراقي ينتقده، بالقول: “لم يأتينا رمضان وقد فرحنا بمحمد رمضان في بغداد، هذا الذي جاء وكشف عن صدره وجعل الناس يعطونه الساعات والهدايا أمام الناس”.
قبل أن يرد رمضان عليه بمقطع فيديو من مسرحية للفنان المصري الكبير عادل إمام، يقول فيه: “ده أنا غلبان”.
وأثار حفل محمد رمضان في العراق جدلا حادا ودفع عشرات العراقيين إلى التظاهر أمام مجمع “سندباد لاند” في العاصمة بغداد، تنديدا بإقامة الحفلات الفنية.
كما أثار رجل الدين العراقي جعفر الإبراهيمي سخطا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن شن هجوما على رمضان عقب حفله الأخير، مستعملا عبارات عنصرية ومبتذلة، حين وصفه في إحدى خطبه، بـ”الأسود الداعر والقذر والقبيح”، ورد عليه الفنان المصري: “كيف من بيت الله تعترض على لوني الذي خلقه الله؟ عموما أنا مسامح حبا واحتراما للشعب العراقي وكل الاحترام والتقدير لكل الأديان وكل الطوائف”.
وتعليقا على الجدل المحتد عراقيا وعربيا، حول الخطر الذي يتهدد الحريات الثقافية في بلاد الرافدين، ويستهدف عزلها عن عمقها الحضاري العربي، يقول المرشح البرلماني الفائز في انتخابات مجلس النواب العراقي خلال الانتخابات العامة الأخيرة، سجاد سالم، في لقاء مع “سكاي نيوز عربية” :”نحن مع حماية الحريات العامة والخاصة في العراق، وضمان حقوق كل جماعة وفئة في التعبير بأي شكل من الأشكال طالما لا يخالف القانون، الذي هو المحك حيث لا يجوز منع المواطنين من التجمع في فعاليات عامة وفنية، فما حصل هو فرض لسطوة دينية حيث معايير القوة محتلة في المجتمع العراقي، ذلك أن القوى والأحزاب التي تدعي التدين والتي تملك السلاح والنفوذ تلجأ بين كل فينة وأخرى لخرق الحريات العامة منها والخاصة”.
وحول المواقف التي أبدتها قوى وشخصيات سياسية في الحض على منع الحفلات الفنية في العراق، وخصوصا الذي دار بين المالكي ورمضان، يقول البرلماني العراقي: “هذه المواقف تعبر عن نظرة شمولية تجاه المجتمع، تسعى لفرض اللون الواحد والفكر الواحد على المجتمع العراقي، وهذا سيء ولا يصح خاصة وأننا مجتمع متعدد الديانات والطوائف والمذاهب والاتجاهات الفكرية، وحماية كل هذا التعدد مكفولة دستوريا، ولهذا ما حدث هو انتهاك لحقوق المواطنين وهو مناف للدستور والقانون”.
ويدعو البرلماني الحكومة العراقية إلى “الوقوف ضد هذا الانتهاك الصارخ للملكية الخاصة في مدينة الألعاب التي نظمت فيها الحفلات الغنائية للفنانين العرب، وعليها تطبيق القانون وحماية الحريات في وجه استهداف التعددية في المجتمع العراقي، وانتهاك الديمقراطية وحقوق الإنسان فيه، وعدم الرضوخ لابتزاز هذه الجماعات ونفوذها”.
من طرفه، يقول الباحث والكاتب العراقي، علي البيدر، في حديث مع سكاي نيوز عربية : “ردود الفعل المتشنجة التي أبدتها التيارات الدينية، ضد اقامة الحفلات الغنائية في بغداد، تأتي في إطار تقويض الحياة المدنية بالعراق، والإبقاء على الواقع الديني المتشدد المتحكم بمفاصل الدولة والمجتمع بالعراق منذ عام 2003”.
وتابع: “بغداد هي إحدى أهم العواصم التي أسست المدنية في العالم العربي، ولهذا فمدنية الحياة والمجتمع في العراق لا بد من أن تنتصر على محاولات تنميطه وجعله بلدا متشددا دينيا، عبر محاولة تعميم الطقوس والمظاهر الدينية المتطرفة فيه وخاصة في العاصمة بغداد، ذلك أن البغداديين بطبعهم ميالون للمدنية والتحرر الاجتماعي والتسامح رغم كل ما عانوه ومر عليهم من مآسي”.
وأوضح أن تحرير المجتمع البغدادي والعراقي عامة من سطوة التيارات الدينية المسيسة وتعزيز قيمه المدنية، والانفتاح الثقافي والفني على العالم العربي والعالم ككل تاليا، كما يرى الباحث العراقي “يزعج جهات إقليمية ومحلية مرتبطة بها، تريد حصر العراق في قوالب جامدة، وإبقاءه رهينة نفوذ إقليمي معين”.
ويضيف البيدر: “المدنية ستنتصر والبغداديون مدنيون بفطرتهم رغم كل محاولات قولبتهم، فبغداد تاريخيا كانت من المراكز الحضرية ذات الاشعاع المدني والتنويري في المنطقة وحول العالم وستبقى”.
من جانبهم، أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، حملة مناهضة للاحتجاجات التي نظمها موالون لأحزاب دينية وفصائل مسلحة متشددة، اعترضت على الحفلات الغنائية التي شهدتها العاصمة بغداد مؤخرا، لعدد من الفنانيين العرب خاصة من مصر ولبنان، وتحمل هاشتاغ “بغداد مدنية”.
وعبر رواد منصات مواقع التواصل الاجتماعية في العراق عن خجلهم وتبرؤهم من هذا المستوى المنحط والعنصري في نعت ضيوف العراق من فنانيين لهم مكانتهم ولديهم عشرات ملايين المحبين في عموم العالم العربي.
وعبرت حركة امتداد التشرينية في بيان عن رفضها محاولات منع الحفلات الغنائية في العراق، جاء فيه: “من أجل بناء دولة يسودها القانون والعدالة وتستوعب الجميع، فإن الحريات الشخصية يجب أن تكون مصانة طالما أنها لا تتجاوز على حريات الآخرين، وليس من حق أي جهة أن تضع محددات أو تمنع حريات كفلها الدستور”.