ندتء نيوز – متابعات
لم تسفر المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية (وهي الانتخابات الرابعة خلال عامين) عن مفاجآت جديدة، وذلك لجهة تصدر كتلة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بحصولها على 52 مقعدا.
وتفرز هذه النتائج الأولية عدة سيناريوهات “محدودة” أمام تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل، لا يستبعد معها مراقبون اللجوء إلى إجراء انتخابات خامسة.
المؤشرات التي نشرتها، صباح الأربعاء، هيئة الإذاعة الإسرائيلية، كشفت عن حصول الليكود -بعد فرز 90 في المئة من الأصوات- على 30 مقعدا، في مقابل 18 مقعدا لحزب “هناك مستقبل” المنتمىي للوسط برئاسة يائير لبيد.
وهكذا تصبح مهمة تشكيل الحكومة صعبة أمام نتانياهو، الذي قد يعتمد على تحالف هشّ ومهدد، بما قد يفتح الطريق أمام إجراء انتخابات جديدة، إلا إذا حدث سيناريو مغاير بالتوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية على غرار الحكومة السابقة التي تشكلت بموجب اتفاق لتقاسم السلطة في شهر أبريل الماضي، نصّ على تولي نتانياهو رئاسة الحكومة لمدة 18 شهرا، على أن يتولى منافسه -آنذاك- زعيم حزب “أزرق أبيض” خلالها منصب النائب، قبل أن يتولى الحكومة بعد تلك الفترة.
لكن الحكومة لم تكمل مدتها بعد فشل الكنيست في إقرار موازنة 2021، ومن ثم حلت، وأجريت انتخابات جديدة.
وبعد أن تراجع تحالف “أزرق أبيض” إلى حد كبير، حتى أن المؤشرات الأولية تكشف حصوله على سبعة مقاعد فقط حتى الآن، يبدو أقرب منافسي حزب نتانياهو هو حزب “هناك مستقبل” بقيادة وزير المالية السابق يائير لابيد الذي حقق 18 مقعدا في انتخابات جرت العادة على وصفها خلال الفترة الأخيرة على أنها “انتخابات حول بقاء نتانياهو من عدمه” وليست منافسة بين اليمين واليسار، في ظل تراجع أحزاب اليسار، واقتصار المنافسة على اليمين ويمين الوسط خلال السنوات العشر الماضية.
ويعتقد مراقبون بأن “المستفيد الأكبر” من الوضع الحالي في الانتخابات يظل نتانياهو – الذي تحقق كتلته (الليكود وشاس وياهدوت هتوراة والحزب الديني، فضلا عن يامينا) العدد الأكبر من المقاعد في الانتخابات الجديدة- وذلك رغم عدم تمكنه من تشكيل حكومة مستقرة طيلة العامين الماضيين وعقب الانتخابات الثلاث الماضية.
نتائج متوقعة
وفي تصور أستاذ العلوم السياسية رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، الدكتور طارق فهمي، فإن “ما تظهره المؤشرات الأولية من نتائج كان أمرا متوقعا رغم كل ما يجري”، مشددا على أن “تصدر كتلة اليمين أمر طبيعي، باعتبار أن قاعدة اليمين هي قاعدة راسخة وشاملة ومستقرة”.
ويوضح في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “نتانياهو سيبدأ بعد ذلك في ضم الأحزاب الأكثر قربا منه والتي ستمنحه أكثر من 60 صوتا، لكن ذلك الائتلاف سيبقى هشا، وهذا على الصعيد النظري، أما على الصعيد العملي فهناك عدة سيناريوهات مختلفة مطروحة يواجهها نتانياهو أمام منافسه يائير لابيد، وبالتالي فإن الحديث حتى الآن هو عن تقدم اليمين بقيادة الليكود وخسارة القائمة العربية نتيجة انقسامها وتفتتها”.
ويلفت في السياق ذاته إلى أن “نتانياهو يبقى هو الرابح الأكبر من كل ما يجري، بعد أن استطاع بمهارة أن يفتت (أزرق أبيض)، ويحوله إلى حزب عادي لم يحصل وفق المؤشرات الحالية إلا على سبعة أو ثمانية مقاعد، وكذا حزب العمل الذي لم يحقق إلا سبعة مقاعد. لكن في النهاية الأمر ليس في يد نتانياهو وحده، ذلك أنه ليست له الأغلبية الكاملة رغم تصاعد اليمين بصورة كبيرة. وهكذا يظل المشهد مفتوحا، وسيستغرق تشكيل الحكومة على الأقل شهرين من الآن، والدخول في مساومات ومقايضات”.
ويشير إلى أن “الحالة في إسرائيل غير مستقرة وستبقى كذلك لمزيد من الوقت. إسرائيل لن تهدأ حتى لو شكلت حكومة يمين، إذ لا زالت هناك حالة من عدم الاستقرار، مرتبطة بموقف الأحزاب السياسية الأخرى. ليس صحيحا أن اليسار أو يمين الوسط انتهى في إسرائيل، لكنه لا يجد فرصة يعبر فيها عن تواجده. المشهد مفتوح ويرتبط بالحالة المزاجية للناخب الإسرائيلي الذي يرى أن الساسة الحاليين كلهم شخصيات ضعيفة وهشة ويصعب التعامل معهم بهذه الصورة”.
المربع صفر
ولا يعتقد خبير الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، الدكتور سعيد عكاشة، بأن الوضع سيتغير في ظل المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الإسرائيلية، ذلك أن “معسكر نتانياهو لن يفوز بأكثر من 50 مقعدا -على حد توقعاته- وعلى الجانب الآخر الكتلة الأخرى ممثلة في ما يسمى الكتلة العربية لديها مشكلة، ذلك أن موقفها من أن تكون جزء في أي ائتلاف غير واضح، وبالتالي لا طرف نتانياهو ولا الطرف المضاد له ستكون له القدرة على تشكيل حكومة، إلا إذا حدثت مفاجأة مثل الانتخابات السابقة، بأن يصل نتانياهو لاتفاق مع الأحزاب المنافسة مثل (أمل جديد) أو (إسرائيل بيتنا)، أو أن تصل الأمور إلى إجراء انتخابات خامسة”.
وفي تحليله للنتائج الأولية، يلفت عكاشة في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أن “الوضع سيء جدا، وعاد المشهد من جديد في إسرائيل إلى نقطة الصفر مرة أخرى”، مشددا على أن “كل الاحتمالات واردة، وبشكل أكبر سيناريو أو احتمال إجراء انتخابات خامسة”.
وتحدث الخبير بالشؤون الإسرائيلية عن دلالات حالة الجمود السياسي داخل إسرائيل، والتي تعكسها عملية إجراء أربع انتخابات خلال عامين فقط، وإخفاق الأحزاب في تشكيل حكومة مستقرة، قائلا: “بطبيعة الحال النظام السياسي في إسرائيل منذ سنوات طويلة تحت أزمة كبيرة، ذلك أن الأحزاب الصغيرة تبتز الحكومات، وبشكل عام محاولة تغيير النظام لم تنجح حتى الآن هناك، بسبب عدة عوامل من بينها ثقافة الخوف من التهديدات الخارجية، وملف الأمن الذي حظى من خلاله نتانياهو بثقة كبيرة هناك. لكن من الناحية العملية هناك حالة عدم استقرار سياسي، تؤدي إلى صدام مع النظام السياسي والضغط عليه، لكي يتم تغييره في الفترة المقبلة”.
حكومة مستقرة
وفي المقابل، يرى المحلل السياسي الدكتور عماد جاد، أنه “في ظل المؤشرات الأولية -التي عادة ما تؤكدها النتائج النهائية- فإن حزب نتانياهو بعد فوزه تستطيع الأحزاب اليمينية في إسرائيل إلى حد كبير تشكيل حكومة مستقرة، على خلاف الانتخابات الثلاث التي أجريت خلال العامين الماضيين”.
ويشير إلى أنه “على مدار تاريخ الانتخابات الإسرائيلية لم يستطع أي حزب تحقيق نسبة الأغلبية بـ 61 مقعدا، وجرت العادة أن يُكلّف رئيس الدولة أكثر الأحزاب حصولا على الأصوات بتشكيل حكومة ائتلافية، يتم عرضها على البرلمان للحصول على الثقة، وهو ما لم يحدث في الانتخابات الثلاث الماضية، حتى لجأ نتانياهو إلى تشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات الأخيرة مع رئيس حزب أزرق أبيض بيني غانتس، ويكون هناك تقاسم للسلطة فيها (لم تكمل مدتها بعد فشل الكنيست في إقرار الموازنة)”.
وأمام المؤشرات الحالية يقول جاد، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “اليمين قادر على تشكيل حكومة متماسكة، لاسيما أن الانتخابات الحالية كانت عمليا هي انتخابات على وجود واستمرار نتانياهو من عدمه، وقد كانت خلال العشر سنوات الماضية عادة ما تكون الانتخابات بين اليمين ويمين الوسط”.
ويلفت المحلل السياسي إلى أنه “في الانتخابات السابقة كان أزرق أبيض ينافس بقوة وكان هناك شبه تعادل في النتائج مع حزب الليكود، بينما نتائج الانتخابات الحالية تؤكد تفوق اليمين واليمين الوسط، وتهاوي أزرق أبيض الذي لم يحصل سوى على سبعة أو ثمانية مقاعد، وبالتالي يمكن أن تحصل تلك الأحزاب على أكثر من 61 مقعدا مجتمعين بما يؤهلها لتشكيل الحكومة برئاسة نتانياهو، الذي يستطيع أن يقدم لتلك الأحزاب بعض التنازلات بعد مفاوضات معها”.
ويشير لسيناريو ضم نتانياهو لحزب “يوجد مستقبل” الذي يشترط الحصول على وزارة الدفاع، وكذا الأحزاب اليمينة الأخرى.
لكن المشكلة في ذلك السيناريو، وفقا لجاد، أن “استمرار الحكومة في ظل هذا الشكل من الائتلاف يكون معتمدا على أحزاب صغيرة، لو انسحب حزب لديه ثلاثة أو أربعة مقاعد تسقط معه الحكومة”.
ويعتقد جاد بأن “فوز نتانياهو يؤهله لعدة أمور، أولها وقف محاسبته في قضايا الفساد، وكذا الاستمرار في الاتجاه الذي بدأه من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع دول عربية، بالتزامن مع الضغوط العربية من أجل التوصل لحل للقضية الفلسطينية، وعلى الجانب الآخر يتزامن مع ذلك بداية مصالحة فلسطينية تعبر عنها الانتخابات، وبالتالي الأجواء مهيأة للدخول في مفاوضات”.
الانتخابات الإسرائيلية
أجريت الانتخابات الأولى خلال العامين الماضيين في شهر أبريل من العام 2019، قبل أن يخفق رئيس الوزراء نتانياهو في الحصول على النسبة المُحددة لنيل ثقة البرلمان في حكومته خلال المدة الدستورية المقررة، لتُجرى الانتخابات الثانية في شهر سبتمبر من العام نفسه، والتي لم يتمكن بعدها رئيس الوزراء ومن بعده خصمه بيني غانتس من تشكيل الحكومة، لتُجرى الانتخابات الثالثة في شهر مارس 2020، قبل أن يتفق الخصمان على تشكيل حكومة وحدة وطنية لمدة ثلاث سنوات، لكنّ تسبب فشل الكنيست في إقرار ميزانية 2021 في حلّ المجلس، ومن ثم إجراء انتخابات جديدة في مارس 2021.
وتتم تسمية رئيس الحكومة في إسرائيل بعد تكليفه من قبل رئيس الدولة ومصادقة البرلمان على حكومته بنسبة 50 في المئة زائد واحد، وطبقا لما يذكره موقع الكنيست، فينص قانون أساس الحكومة على قيام رئيس الدولة، خلال سبعة أيام من نشر نتائج انتخابات الكنيست، بإلقاء مهمة تشكيل الحكومة على أحد أعضاء الكنيست ممن وافق على ذلك.
ويقوم رئيس الدولة بهذه الخطوة بعد أن تشاور مع مندوبي الكتل البرلمانية.
ويعمل عضو الكنيست الذي أوكل من قبل رئيس الدولة بمهمة تشكيل الحكومة خلال 28 يوما.
ومع الانتهاء من مهمة تشكيل الحكومة يعلن عضو الكنيست عن ذلك أمام رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويقوم رئيس الكنيست بتحديد جلسة للهيئة العامة من أجل تشكيل الحكومة.
ويترأس عضو الكنيست الذي شكّل الحكومة رئاسة الحكومة.
وبعد تشكيل الحكومة، تمتثل أمام الكنيست، وتعلن عن الخطوط السياسية العريضة، تركيبتها وتقسيم الوظائف بين الوزراء وتطلب ثقة الكنيست.
ويتم تشكيل الحكومة بعد نيل ثقة الكنيست، ومنذ ذلك الحين يبدأ رئيس الحكومة والوزراء فترة ولايتهم.