د. عمر سالم باجردانة
منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر وبعد جلاء الأستعمار وقيام نظام الحكم الجمهوري في اليمن، لم يعيش هذا البلد أجواء الأستقرار والأزدهار ولم ينعم بالتنمية ،إلا لفترات محدودة تكاد لاتذكر مقارنة بعدد مراحل الصراع الموسمية التي كانت تعصف به في الشمال والجنوب وإلى يومنا هذا .
ولو توقفنا قليلا” أمام فترة الصراع الدامي التي أندلعت في تسعينيات القرن الماضي وتحديدا” في سنة 1994م بين الفرقاء السياسيين في تلك الحقبة والتي أدت إلى إجهاض وتقويض مشروع الدولة التي كانت في الجنوب بعدما أنقلب الطرف الشريك في الوحدة ( حزب المؤتمر الشعبي العام) على شريكة في مشروع دولة الوحدة أنذاك ( الحزب الإشتراكي اليمني ) بحيث أفضت الأحداث وقتها الى فرض أمر واقع جديد في الجنوب غير الواقع الذي كان يطمح ويرغب فيه الجنوبيون ، وبالمقابل أدى هذا الوضع الجديد إلى أنقسام وتشظي وتشتت الحزب الإشتراكي اليمني وتلاشيه في المشهد على أيدي اللاعبين والمهيمنين الجدد على الجنوب ،حزب المؤتمر الشعبي العام وجماعة الأخوان المسلمين ( التجمع اليمني للإصلاح) اللذين لم يتركا خيارا لأعضاء الحزب الاشتراكي اليمني المهزوم آنذاك سوى الانخراط والانصهار في حزب المؤتمر الشعبي (الحزب الحاكم) والتجمع اليمني للاصلاح او مغادرة الحياة السياسية بتعليق العمل الحزبي والسياسي والجلوس في البيت .
الا ان هناك فترة استطاع فيها الحزب الاشتراكي لملمة شتاته وتمزقه، والدخول في صفقة تحالف مع عدو الامس التجمع اليمني للاصلاح
في ظاهرة غريبة وعجيبة جمعت النقيضين شكلت تحالف الضحية مع الجلاد .
واتت حرب 2015 عندما أجتاحت مليشيا الحوثي العاصمة اليمنية صنعاء ليصحو المواطن يومها على جولة جديدة من الصراع ، ولأن هذه المرحلة تختلف عن سابقاتها من مراحل الصراع من حيث بعدها الديني والقومي والإستراتيجي .
لتقوم المملكة العربية السعودية حينها بأطلاق عملية (عاصفة الحزم) التي تهدف الى صد تمرد الحوثيين وإعادة الشرعية لليمن .
وكانت هذه العاصفة بمثابة ضربة الأستريقل لكرات البلياردو بالنسبة للأحزاب السياسية الفاعلة على المسرح اليمني حيث عملت على تفرقتها وبعثرتها وتجزئتها وكان لحزب المؤتمر الشعبي العام النصيب الأكبر من هذا التبعثر والتشظي جراء الضربة القاسية التي تلقاها من الأخوة الإعداء أصدقاء الأمس وخصوم اليوم ( التجمع اليمني للإصلاح) وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على أنطلاق عاصفة الحزم في اليمن ، يظل هناك طرف واحد فقط مستفيد من بين كل الأطراف التي تأثرت بالحرب ، والذي أستطاع أستثمار ظروف الحرب لصالحه لكسب مزيد من القوة والنفوذ .
جماعة الأخوان المسلمين ( التجمع اليمني للإصلاح) هذه الجماعة التي لم تكن حزباً في يوما من الأيام وأن أدعت ذلك فهي أمتداد للتنظيم العالمي للأخوان المسلمين ، الذي دعمته بريطانيا وأمريكا منذ عشرينيات القرن المنصرم .
أستطاعت هذه الجماعة أستثمار الحرب ودور التحالف في اليمن من خلال أستراتيجية التشظي ولعب الأدوار والأنقسام التي تفتقدها الأحزاب السياسية الأخرى القائمة على العضوية الحزبية وليس البيعة.
أن انقسام جماعة الأخوان إلى أقطاب متعددة في اتجاهات مختلفة تمحورت بين قطر وتركيا وإيران والرياض شكل مصدر قوة ونفوذ للجماعة مما ساعدها على البقاء على المسرح اليمني كل هذه الفترة وجعلها متصدرة المشهد أطول فترة ممكنة ،حيث لعبت العلاقة الطردية الخفية لهذه الأقطاب بين كل الدول دوراً هاماً ومحورياً في تقوية هذه الجماعة وأمتصاصها للصدمات وتوسع نفوذها في الداخل اليمني وخارجه والتلاعب بمسرح الأحداث ، بالرغم من كل الضربات الموجعة التي تتلقاها ، من خصومها المشاركين في الحرب والي الآن.
وبعد كل هذه السنوات من الحرب في اليمن هل أدرك خصوم الإصلاح والتحالف ، خطورة التشظي والأنقسام ولعب الأدوار الذي تقوم به الجماعة، وضرورة وجود إستراتيجية محكمة ومدروسة في مختلف الاتجاهات من أجل القضاء على انتهازية هذه الجماعة، وأستغلالها من أجل الوصول الى حل دائم وشامل للسلام ووقف الحرب في اليمن؟