كتب : د.عيدروس النقيب
كانت لي ليلة البارحة مقابلة قصيرة مع صحفي أحترمه كثيرا فسألني سؤألاً فحواه: ما ردكم على من يتهم المجلس الانتقالي بالتخادم مع الحوثيين؟
ومما قلت له: الجنوبيون قاوموا الجماعة الحوثية وحلفاءها وأخرجوهم في غضون 100 يوم من معظم أرض الجنوب، واليوم يقاومونهم في الضالع وكرش والصبيحة وباب المندب والساحل الغربي ومكيراس وعقبة ثرة، ولم يسلموهم موقعاً واحدا مذ أخرجوهم من الجنوب، بل لم يسلموهم طلقة رصاص واحدة، ناهيك عن كلاشنيكوف أو مركبة شاص مستخدمة، فإذا كان هذا هو التخادم فنحن نعترف به.
لقد عمم إعلام الإخوان اليمنيين المهيمنين على الشرعية مفردة التخادم، التي يمارسونها، عمموها على غيرهم، حتى أصبح من يشكو جوعه ويطالب بحقه، أو من يتمنى الحصول علي خمس ساعات إضاءة في ليالي عدن المظلمة الخانقة بدون انقطاع، أو يحلم بتعبئة خزان مركبته بالوقود، أو يطالب براتبه المتوقف منذ عشرة أشهر أو يشكو موت أحد أفراد أسرته بسبب انعدام الخدمة الطبية، متخادما مع الحوثيين، لكن الذي يسلم الحوثيين عشرات آلاف الكيلومترات من الأرض والمعسكرات ومحتوياتها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة، والتموين الغذائي المطبوخ وغير المطبوخ والعتاد العسكري، ثم يدّعي أنه يواجه الحوثيين، فهو ليس متخادما معهم لأنه يدعي أنه يواجههم وكفى,
خلال الاربعة وعشرين ساعة الماضية جرت حادثتان خطيرتان تبينان من يتخادم مع من؟
- تعرض وزير التأمينات والشؤون الاجتماعية في حكومة المناصفة عن المجلس الانتقالي الجنوبي الزميل الدكتور عبد الناصر الوالي، لمحاولة اغتيال من خلال تفجير سيارته، بواسطة سيارة مفخخة، ونجا منها بفضل الله وقدرته، وللتذكير كان الزميل الوالي الوزير الوحيد المتجه إلى عمله أثناء دخول المتظاهرين إلى منطقة حقات، ( التي دلعوها وأسموها المعاشيق، بعد ما حولوها إلى ثكنة عسكرية ومخبأ للوزراء الخائفين من الشعب) ولمن يريد عصفا ذهنيا أن يتبصر في العلاقة بين الحادثتين، حادثة السيارة المفخخة وخروج الناس للمطالبة بحقوقها وتواجد الوزير د الوالي هناك.
.
- وطوال البارحة حتى صباح اليوم كانت الطائرات المسيرة تحوم فوق العاصمة عدن وضواحيها وخصوصا فوق منطقة الساحل الذهبي حيث مقر المجلس الانتقالي الجنوبي، ونحن نعتقد أن الطائرات المسيرة لا يستخدها إلا الحوثيون، لأن خاطفي الشرعية حتى لو امتلكوها لن يستخدموها بدون موافقة الأشقاء في قوات التحالف العربي.
الرسالتان تتضمنان مضمونا واحدا له علاقة بفعالية يوم أمس الأول الاحتجاجية أمام قصر المعاشيق، التي نُفِذَت بدعوة من الهيئة العسكرية الجنوبية، وشارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين الجنوبيين الباحثين عن الماء والدواء والكهرباء والريال اليمني الذي كان محترماً ذات يوم.
وهكذا يعود التساؤل: من يتخادم مع من؟
عمليات التفجير والتفخيخ صارت مهمة معروفة، يمكن أن يرتكبها من يشاء، ويكلف داعش والقاعدة بإعلان تبنيها، بل ويمكن ان يكلفهما بتنفيذها وإعلان تبنيها معاً بناء على طلب المخطط، وهذا هو التخادم الأول بين داعش والقاعدة وخاطفي الشرعية وتلك ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة في هذا النوع من التخادم بحيث يتولى إعلام خاطفي الشرعية اللعن والشتم والاتهام والتهيئة النفسية، وتقوم داعش وأخواتها، بتنفيذ أو تبني العمليات الإرهابية.
لكن حينما ينشر الحوثيون طائراتهم المسيرة، مفخخة أو بلا تفخيخ، فوق عدن وفوق مقر المجلس الانتقالي الجنوبي عقابا له على وقوفه بجانب مطالب المحرومين من حقوقهم الخدمية والمادية والمعنوية، فهذا أيضا يمثل صيغةً أخرى من صيغ التخادم بين الأطراف الثلاثة، (خاطفي الشرعية وداعش وبناتها، والحوثيين) وبهذا يصبح التخادم عملية ثلاثية متكالمة، بين هذه العناصر التي تدين الضحية وتدافع عن الجلادين وتتغاضى عن جرائمهم.
وأخيرا،
إذا كان من يقف وراء هذه الأعمال المحرَّمة والمجرَّمة والمحتقرة حتى من عامة الناس، يعتقد انه يستطيع ان يلوي ذراع الجنوبيين ويجبرهم على التخلي عن مطالبهم الخدمية وحقوقهم القانونية التي ظلوا يحصلون عليها في موعدها حتى صبيحة ٢٢ مايو ١٩٩٠م، أو يفكر ان يثنيهم عن التمسك بحقهم في استعادة دولتهم كاملة السيادة على حدود ٢١ مايو ١٩٩٠م، فإنه واهمٌ يبدد جهوده في المكان الخطأ.
نعم إن الشعب الجنوبي يتألم من المعاناة، ويكره الحرب والعدوان ويميل إلى السلام ويتمسك بالوسائل المدنية للحصول على حقوقه، لكنه (أعني الشعب الجنوبي) لن يتنازل عن حقوقه القانونية والمادية والمعنوية والخدمية، ولن يساوم على كرامته وعزته وحريته وحقه في تقرير مصيره، ولو مقابل كل كهرباء الدنيا وكل ما في العالم من أموال وقصور ومستشفيات وأدوية واغذية.
فليعلم الصديق والشقيق قبل العدو أن ليس كل اصابع اليدين سواء،
وما كل بيضاء شحمة
ولا كل سوداء فحمة