كتب / د. عيدروس نصر
كشفت المعلومات التي تضمنها تقرير الخبراء المنبثق عن لجنة العقوبات الدولية التابعة لمجلس الأمن بشأن اليمن، عن الكثير من المعلومات التي يكتسب بعضها مستوى الفضيحة، وما أكثر الفضائح في ظل الفساد والعبث المهيمن على أداء أجهزة السلطة “الشرعية”، منذ عقود خلت وحتى اللحظة.
قصة التعامل مع الوديعة السعودية المقدرة بملياري دولار، والتي جاءت بغرض حماية الريال اليمني من الانهيار في ظل الانهيارات الاقتصادية المتتالية الناجمة عن الانهيار السياسي والعسكري لسلطة الرئيس الشرعي الفريق الركن عبد ربه منصور هادي، هذه القصة أثارت الكثير من الجدل والأخذ والرد والهجوم والهجوم المضاد والدفاع والهجوم من أجل الدفاع.
نعود إلى الإشارة إلى إن هذه الوديعة ليست هبةً مجانيةً وليست قرضاً ولا إعانةً نقديةً أو عينية، لكنها وديعة نقدية هدفها إيجاد مقدار من العملة الأجنبية لدى البنك المركزي من شأنها أن تخلق حالة من التوازن بين سعر الريال في السوق المحلية وبين أسعار العملات الأجنبية، فالسوق الخالية من العملة الأجنبية تفقد فيها العملة المحلية قيمتها وقد تصل هذا القيمة إلى نقطة قريبة من الصفر، وفقا لقانون العرض والطلب المعروف في العلاقات السوقية الرأسمالية، وبعبارة أخرى أن هذه الوديعة أتت لحماية الريال اليمني من الانهيار.
لكن الفضيحة تكمن في أن الوديعة تحولت من أداة لحماية الريال إلى أداة لضرب قيمة الريال وإصابته في مقتل وإيصال سعره إلى الحضيض عندما استخدمها الفاسدون كوسيلة للمضاربة والاتجار بالعملة والاستخدام في ما يسمى بغسيل الأموال، وهذا ما ورد حرفيا في تقرير فريق الخبراء.
.ما تعرض له تقرير فريق الخبراء أثار العشرات من الأسئلة، ليس بينها لماذا هذا الاستشراء السرطاني للفساد، لأن الفساد في هذا البلد قد غدا مدرسة ضاربة جذورها في كل مفصل من مفاصل الدولة، لكن المأساوي والغريب والعجيب والمريب، هو كيف لدولة ما تزال قياداتها هاربةً من ديارها ويوماً عن يوم تحقق تفوقا عالميا في الهزائم أمام من تقول أنهم انقلبوا عليها، دولة ما يزال معظم قادتها وأهم أركانها يعيشون ضيوفا على كرم الأشقاء ونبل عطاءاتهم ويتقاضون عائداتهم الشهرية من خزائن الغير، كيف لهكذا دولة أن تمارس فساداً يستهدف أحد أوجه هذا الكرم وما قدمه الكرماء من عون للبلد.
منذ عَرَفتُ مفردة الفساد، صرت أعلم أنه يعني أن مسؤولاً ما يسيء استخدام السلطة، ليختلس أموالاً مما توفره إدارته من مبالغ لرفد موازنة البلد، أو أن محاسبا يخفي قدرا من الأرباح الطائلة التي تحققها مؤسسته لصالح البلد، أو أن موظفاً عاماً ما يتقاضي هبات غير مشروعة ممن يقدم لهم خدمات عبر وظيفته الرسمية، لكن أن تتسول الدولة إعانات وودائع وهبات ثم يتعرض كل هذا للفساد وممارسة غسيل الأموال والاتجار بالعملة التي لم يعد لدى البلد من موارد منها إلآ القليل القليل وكثير هذا القليل هي وديعة الأشقاء لدى البنك المركزي اليمني، فإن هذا ما لا يمكن أن يخطر على بال إبليس نفسه.
سؤالان يقفزان إلى مقدمة كل تناول لهذه القضية، من قضايا الفساد على كثرتها في هذه البلاد:
1. متى سنسمع من رئيس الجمهورية قراراً صارماً يحاسب من خلاله كل من تسببوا في هذه الفضيحة الاقتصادية والسياسية والأخلاقية وما على شاكلتها من الفضائح؟
2. وما موقف الأشقاء أصحاب الوديعة التي قدموها لإنقاذ الريال اليمني فتحولت إلى أدة لإسقاط هذا الريال بالضربة القاضية؟
أتوقع أن الأشقاء سيقفون بحزم أمام هذا العبث بالأمانة التي ائتَمَنَوا عليها أناساً لا أمانة لهم، ولا احترام لديهم لمن يحترمهم.
* * *
ما كنت أود التعرض لحشر اسم مجموعة هائل سعيد أنعم في هذه الفضيحة لولا معرفتي بأن مجموعة هائل سعيد هي ضحية من ضحايا فساد السلطة وليست شريكا فيه، وإذا كان ثمة من عتاب على القائمين على هذه المجموعة فيمكن تركيزه في إنهم قد تغاضوا عن الكثير من حقوقهم طوال نشاطهم الاقتصادي أمام غول السلطات الغاشمة التي كانوا يجدون أنفسهم مضطرين إلى التهاون معها حفاظا على مكانة مجموعتهم الاقتصادية وتجنبا للاصطدام مع هذا الاخطبوط وأذرعه المتعددة.
وقد تابعت البيانات الصادرة عن المجموعة وتصريحات بعض القائمين عليها، ما يؤكد أنهم واثقون من سلامة موقفهم ومستعدون لكشف حقائق ربما لا يعلمها حتى أعضاء فريق الخبراء أنفسهم.
ولنترك الأيام لتقول قولتها في هذه الجزئية