نداء حضرموت – متابعات
يمثّل الانتشار الهائل للمواد الإباحية على شبكة الإنترنت معضلة كبيرة تستحق مزيدا من الاهتمام والبحث عن حلول جديّة، إذ لا يُمكن أن يبقى المجتمع صامتا في ظل ما يهدّد الأطفال والمراهقين من مخاطر جراء الإدمان على مثل هذه الأفلام.
ففي تقرير نشرته مجلة “نيوزويك” (Newsweek) الأميركية يقول الكاتب تيري شيلينغ إن صناعة الأفلام الإباحية شهدت تزايدا كبيرا على مدى العقود القليلة الماضية، فمن عام 1988 إلى 2005 ارتفع عدد الأفلام المنتجة سنويا من 1300 إلى 13 ألفا.
ويضيف الكاتب أن وتيرة انتشار هذه النوعية من الأفلام تصاعدت مع انتشار الإنترنت. وتشير أرقام أعلى موقع إباحي مشاهدة على الإنترنت إلى تحميل 1.36 مليون ساعة من المحتوى الجديد عام 2019، أي بمعدل أكثر من 24 ساعة من المحتوى كل 10 دقائق.
ووفقًا لبعض التقديرات، تبلغ القيمة الإجمالية لصناعة الأفلام الإباحية في الوقت الحالي نحو 100 مليار دولار، وتستخدم نطاقا تردديا أكبر من فيسبوك وأمازون، ولديها مواقع أكثر مشاهدة من نتفليكس.
مضارّ المواد الإباحية
بدأ هذا الانتشار، وفقا للكاتب، منذ عام 2006 حين ظهرت مواقع الفيديو التي توفر تدفقا لا نهائيا من المحتوى الإباحي المجاني. ومع ظهور الهاتف الذكي، أصبح الوصول إلى هذه المواد الآن أسهل وأسرع ما يكون، وأصبحت الأجيال الحالية أكثر استهلاكا للمواد الإباحية من أي وقت مضى.
ويؤكد الكاتب أن من تبعات انتشار هذه الصناعة الارتفاع الصادم في عدد الأشخاص المدمنين على المواقع والأفلام الإباحية. فعلى سبيل المثال، تظهر الدراسات الاستقصائية أن 60% أو أكثر من المراهقين وطلاب الجامعات يعترفون بمشاهدة المواد الإباحية مرة واحدة في الأسبوع على الأقل.
ويضيف الكاتب أن المواد الإباحية أصبحت أكثر عنفا إذ تشير دراسة، نُشرت عام 2016، إلى أن “المواد الإباحية التجارية السائدة أصبحت تتمحور أساسا حول العنف وانحطاط القيم الأنثوية”. ووجدت دراسات أخرى أن ما نسبته 88% من مقاطع الفيديو الإباحية الأكثر انتشارا يحتوي على عنف جسدي، و49% منها يحتوي على اعتداءات لفظية.
وينقل الكاتب عن اختصاصية اجتماعية تدرس حالات عدد من الأطفال (بين 9 و11 عاما) ارتكبوا اعتداءات جنسية، أن الشيء الوحيد المشترك بينهم هو مشاهدة المواد الإباحية على الإنترنت. وقالت الاختصاصية الاجتماعية إن هؤلاء الأطفال أصبحوا مدمنين إلى درجة أنهم يبقون مستيقظين طوال الليل يتصفحون المواقع الإباحية عبر هواتفهم الجوالة. وفي كثير من الأحيان لا يكون لدى الوالدين أي فكرة عن مدى سهولة وصول الطفل إلى تلك المواقع.
وعام 2016 أظهر بحث أكاديمي لعدد من الدراسات التي أُجريت على مدى 20 عاما أن المراهقين الذين يشاهدون المواد الإباحية كانوا أكثر قابلية لتبني سلوكات جنسية عدوانية، خاصة الإناث منهم.
ووجد بحث آخر شمل 135 دراسة أدلة على أن مشاهدة المواد الإباحية تؤدي إلى عدم الرضا عن الجسد، وتشييء الذات، وتبنّي عدد من السلوكات والمعتقدات الجنسية العدائية، والتسامح مع العنف الجنسي تجاه النساء. كما ربطت دراسات أخرى بين هذه المواد وزيادة المشكلات الزوجية، وانتشار العلاقات خارج الزواج والطلاق والانفصال والاستياء الجنسي.
حماية الأطفال من المحتوى الإباحي
من أكثر الأمور إثارة للقلق، وفقا للكاتب، هو أن نمو صناعة الأفلام الإباحية أدى بشكل مباشر إلى ارتفاع معدلات استغلال النساء والأطفال عبر الاتّجار بالجنس. وفي رسالة حديثة إلى وزارة العدل وثّق السيناتور الجمهوري بن ساز مواد أنتجها أحد أشهر المواقع الإباحية تُظهر “نساء وفتيات يتعرضن للاغتصاب والاستغلال”.
وحسب الكاتب، فإن انتشار هذه المواد على الإنترنت والعدد المتزايد من المدمنين عليها أصبحا ينذران بعواقب وخيمة. وفي هذا الإطار أعلنت 16 ولاية أميركية أن انتشار المواد الإباحية أصبح يمثّل أزمة صحية عامة.
ومع ذلك يزعم البعض -كما يقول الكاتب- ومنهم “محافظون”، أنه لا يوجد حل حكومي لهذه المعضلة. ويحتج آخرون بأنه لا يمكن للمشرعين فعل أي شيء لأن المواد الإباحية تحظى بالشرعية وفقا للقوانين الأميركية.
ويضيف أن صناع المحتوى الإباحي يعرفون أكثر من غيرهم أن تلك المواد تصل إلى الأطفال، إلا أنهم لا يفعلون شيئا حيال ذلك. وعلى سبيل المثال، ترفض إحدى أهم الشركات المتخصصة في إنتاج وعرض الأفلام الإباحية اعتماد أي نظام للتحقق من سن المستخدمين الذين يقومون بتحميل موادها.
ويتمثل الحل في التصدي لشركات الإنترنت التي تحمي المواقع الإباحية، وتحميلها المسؤولية المدنية عن المحتوى المنشور عبر منصاتها.