كتب / محمد العماري
هناك لحظات تأتي كهدية غير متوقعة، تنعش الروح وتبعث في القلب شيئًا من الرضا، وهذا ما شعرت به حين رأيت أستاذي، المصور المخضرم رشيد بن شبراق ، يطلّ على شاشة رمضان، بملامحه التي خطّ عليها الزمن سطور الحكاية، في برنامج ” Qalby Etmaan قلبي اطمأن “الذي يقدمه شاب يدعى غيث.
كان ظهوره أشبه باعتراف متأخر بجميل رجل أفنى عمره في التقاط الحقيقة بعدسته، وسط دخان المواجهات وأصوات الهتافات، بينما كنت، أحد الهاوين في هذا المجال، أتلمس طريقي خلفه، أحاول أن أصنع لنفسي دورًا في زمن كانت فيه الصورة سلاحًا، وكانت العدسة نافذة يطلّ منها الناس على ما يُحجب عنهم.
أعود إلى تلك الأيام قبل ثلاثة عشر عامًا تقريبا، حين كنت أحمل كاميرا بسيطة، أتنقل بين الزوايا، أحاول أن أقتنص اللحظة وسط صخب أحداث الحراك الجنوبي، بين الكرّ والفرّ، بين مسيل الدموع والرصاص الحي، أنقل الصورة وأحرر الخبر، لا لشيء سوى أنني كنت أؤمن أن للواقع حقًا في أن يُرى، لم أكن أرى نفسي إعلاميًا وقتها، كنت فقط شابًا تحركه هواية وشغف الى ما اصبحت عليه اليوم ولازلت اواصل مشواري.
وفي كل مرة كنت أتوقف عند عتبة سؤال، كنت أجد الأستاذ رشيد بجانبي، لم يبخل يومًا بإجابة، لم يتردد في نصيحة، كان كريما بخبرته، كما كان كريمًا بجهده، رجلًا آمن بأن الصورة أمانة، وبأن المصور شاهدٌ على العصر، ولو تنكر له الجميع.
وها هو اليوم يظهر أمام العالم، ليس بعدسته، بل كقصة تُروى، ككفاح يُحكى، كاعتراف متأخر .. لأننا في بلد لا يلتفت إلى مبدعيه إلا بعد أن يرهقهم الزمن، أو يأتي أجلهم.
تحدث أستاذنا وحبيبنا أبو علاء قليلًا عن جهده، عن سنواته التي نُسيت، عن الأيام التي لم يسأل فيها عنه أحد: كيف حالك؟ عن ليالٍ طويلة قضى فيها ينتظر تقديرًا ممن كان بجانبهم، إلى أن جاء الشاب غيث من بلاد بعيدة، عابرًا كل المسافات، ناظرًا بعين مختلفة، فكان أول من قدّر جهده ومجهوده، ورفع عنه غبار النسيان، فلم يكتفِ بكلمات الثناء، بل وضع بين يديه مشروعًا خاصًا، يكون ملاذًا لهواة التصوير، حيث تصبح الهواية مهنة، ويُمنح الشغوفون فرصة أن يحذو حذو هذا الرجل العظيم، ويكملوا ما بدأه.
رؤيته على الشاشة أفرحتني كثيرًا، وهكذا، حين أطلّ الضوء على وجهٍ يستحقه، كانت لحظة إنصاف لرجل لم يطلب شيئًا، سوى أن تُروى قصته كما روى هو قصص الآخرين.

